بقلم / محمـــد الدكـــروري
اليوم : الأحد الموافق 10 نوفمبر 2024
الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين ولا عدوان إلا على الظالمين وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، يحيى ويميت، وهو على كل شيء قدير، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله، وصفيه من خلقه وخليله، اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه أجمعين حق قدره ومقداره العظيم، ثم أما بعد لقد كانت السمة المميزة لجميع الصحابة هو الصبر على الأذى، وتحمل الإضطهاد في سبيل الله، ورسول الله صلى الله عليه وسلم لم يأمر المسلمين أن يردّوا عن أنفسهم ذلك الأمر، للأمر الصريح من الله عز وجل " وأعرض عن المشركين " وكان المشركون يعذبون ويشردون ويذبحون والمسلمون صابرون، بل أُمروا ألا يردّوا إيذاء، ولا يحملوا سلاحا، ولا يرفعوا ضيما، ولا يكسروا صنما، ولا يسبّوا مشركا، وقتلوا ياسر، وقتلوا سمية.
والرسول صلى الله عليه وسلم يمر من أمامهم وهم يقتلون، فيكتفي بقوله "صبرا آل ياسر إن موعدكم الجنة" ولم يمسك بيد أبي جهل، ولم يجمع الصحابة ليقوموا بثورة أبدا، وإن من دروس الهجرة النبوية الشريفة هو الثقة بالله تعالى وبوعده، فقد كان النبي صلي الله عليه وسلم على يقين بأن الله تعالي سينصره لا محالة، فخرج للهجرة لا يهاب أحدا، ولا يخشى ضررا، حتى وصل المدينة منتصرا على غرور الكفار ومكرهم، وفي قصة نجاة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم في حادثة الهجرة من مطاردة كفار قريش له ما يؤدي نفس المعنى، فسرد لنا القرآن الكريم القصتين لنتعلم منهما دروسا عملية للثقة بالله تعالي، والتوكل عليه سبحانه، فهذا نبينا الكريم يحيط به المشركون من كل جانب، وهو مع صاحبه في كهف صغير، فيدرك الحزن صاحبه أبا بكر رضي الله عنه خوفا على نبي الله.
ويروي لنا القرآن القصة وهو التأكييد التام لرسول الله صلي الله عليه وسلم وصاحبة، وقصة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم هنا شبيهة بقصة نبي الله موسى عليه السلام التي وردت في كتاب الله، وكما أن من دروس الهجرة النبوية الشريفة هو التضحية والفداء في سبيل تبليغ الدعوة، وقد ظهرت تضحية أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم واضحة جليّة في مواقفهم، وفي إنشراح صدروهم لتلك التضحيات فيها لنرى كيف كانت تضحياتهم، أولا هو التضحية بالنفس، فتأملوا في تضحية الإمام علي رضي الله عنه في ليلة الهجرة، وكيف بذل نفسه فداء لنبيه ولدينه، وهو يعرف خطورة الإقدام على المبيت في فراش سيد البشر صلى الله عليه وسلم؟ لقد استلّ المشركون أسيافهم بعدما قرروا أن ينقضّوا على الرسول صلى الله عليه وسلم ليضربوه ضربة رجل واحد.
ولقد كان عليّ رضي الله عنه يعي ذلك جيدا، وقال ابن إسحاق فأتى جبريل عليه السلام رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال لا تبت هذه الليلة على فراشك الذي كنت تبيت عليه، قال فلما كانت عتمة من الليل إجتمعوا على بابه يرصدونه حتى ينام، فيثبون عليه، فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم مكانهم، قال لعلي رضي الله عنه " نم علي فراشي وتسج ببردي هذا الحضرمي الأخضر، فنم فيه فإنه لن يخلص إليك شيء تكرهه منهم " وثانيا هو التضحية بالزوجة والولد، فولد الرجل وزوجته أغلى ما يملك في هذه الحياة، ومن أجلهما يقدم المرء على المهالك، وإن كان فيها حتفه، وعلى الرغم من ذلك من أجل بناء صرح، وتأسيس المدينة الفاضلة يهون كل شيء.
تعليقات
إرسال تعليق