بقلم / محمـــد الدكـــروري
اليوم : الأحد الموافق 10 نوفمبر 2024
الحمد لله الذي زين قلوب أوليائه بأنوار الوفاق، وسقى أسرار أحبائه شرابا لذيذ المذاق، وألزم قلوب الخائفين الوجل والإشفاق، فلا يعلم الإنسان في أي الدواوين كتب ولا في أي الفريقين يساق، فإن سامح فبفضله، وإن عاقب فبعدله، ولا اعتراض على الملك الخلاق، اعلم أنه إذا نظرت للحياة بروح مبتسمة حتما ستجدها مثيرة للاهتمام، وتصبح الحياة ذات معنى حينما نجد شيئا نكافح من أجله ونسعى بشغف للوصول إليه، فلا تمضوا في طريق اليأس، ففي الكون آمال، ولا تتجهوا نحو الظلمات، ففي الكون شموس، ولا تجادل بليغا ولا سفيها، فالبليغ يغلبك، والسفيه يؤذيك، أما بعد إن ظلال ذكرى الهجرة النبوية الشريفة، ينبغي علينا جميعا أن نتأمل مقدماتها وأحداثها ونتائجها، ولعلنا اليوم بأمس الحاجة إلى فهم واعي لكل ذلك على نحو يؤهلنا لتجاوز كل ما يحيط بنا.
من معوقات وتحديات، ويعيننا على الإنطلاق نحو مستقبل واعد، نحقق من خلاله المكانة التي اختصنا الله تعالي بها إذ جعلنا خير أمة أخرجت للناس، ولمّا كانت لحظات الصباح تكشف عن كل ما أظلم عليه الليل، ورؤية المولود تنسي الأم كل ساعات الألم وشدة المخاض، فقد تحمل رسولنا المصطفي صلى الله عليه وسلم كل أنواع الأذى والإضطهاد، والصد والجحود، والإتهام والتكذيب، لكنه كان رغم كل ذلك يتطلع بإيمان راسخ إلى التمكين للدعوة والإنتشار لرسالة الإسلام فكان الإذن بالهجرة النبوية، التي كانت إيذانا بتحرير الإنسان من كل عبودية لغير الله سبحانه إذ كان الإسلام في مكة المكرمة دينا ليس له دولة تحميه، وحقا ليس له قوة تسنده، مثلما كان المسلمون بين معذب أو مستضعف أو مضطهد فكانت الهجرة إيذانا للحق أن يعلو ويظهر، وللباطل أن يندحر ويقهر.
ولله تعالى الحمد والمنّة، والمؤامرة التي نسجت خيوطها في دار الندوة لمحاصرة النبي صلى الله عليه وسلم في سجن مظلم، أو قتله، أو إخراجه من جزيرة العرب هي نفسها المؤامرة التي تحاك ضد أمتنا لوضعها في دوامة الخلافات، في محاولة لمحاصرتها بجدران اليأس والإحباط، وإخراجها من دائرة التأثير الفاعل والإيجابي في حركة الحياة، وكأنه يراد لها أن تظل في دائرة الإنفعال وردود الأفعال، لا تصفو لها لحظة للمراجعة أوالإستبصار، وإن المتتبع لسيرة النبي صلي الله عليه وسلم المطهرة يجد أنه صلى الله عليه وسلم كان يحرص دائما أن يخرج من دائرة اليأس والإحباط والقنوط، ويفتح للمسلمين الصابرين من حوله منافذ النجاة وأبواب الأمل فكان يصبر أتباعه ويعدهم بإحدى الحسنيين إما عز الدنيا وإما سعادة الآخرة.
ونحن اليوم بحاجة للتأكيد على أن طول الطريق وتحدياته ليس مبررا للتراجع والنكوص عن الهمة في الدعوة ونشر رسالة الإسلام السمحة، والمشكلة كثيرا ما تأتي من العاجز الكسول، كما الماء الراكد، يتغير طعمه ولونه فلا يشرب منه أحد ويجد المتدبر في أحداث الهجرة النبوية دقة التخطيط للرحلة، والحرص على الأخذ بالأسباب، وبذل الجهد في توظيف الإمكانات والخبرات المتاحة، والإستفادة من جميع الطاقات "فكل خطوة خطاها النبي صلى الله عليه وسلم أخذ فيها بأحسن الأسباب، كأن الهجرة كانت لتعليم الأمة الأخذ بالأسباب" ومن هذه الأسباب أن النبي صلي الله عليه وسلم أمر أبا بكر رضي الله عنه أن يبتاع راحلتين قبل الهجرة، ثم إنه صلي الله عليه وسلم أخذ بعوامل السرية، فقد خرج من غير الطريق الذي إعتاده الناس في سفرهم إلى المدينة وهس يثرب آنذاك من أجل أن يلبس على القوم ويعمّي عليهم الأثر.
كما إستأجر عبد الله بن أريقط هاديا للطريق، فقد كان خبيرا بالصحراء، ومن الأخذ بالأسباب كذلك هو ما صنعته السيدة أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهما من إعداد الزاد لرسول الله صلي الله عليه وسلم وأبيها، ولا يخفى أن أمر دخولهما في غار ثور ومكثهما فيه ثلاثة أيام دليلا على الأخذ بأسباب الحيطة والحذر، وكانت تلك الليالي في الغار كافية أن يخف عنهم الطلب، وييأس القوم من اللحاق بهما" ولقد حرص مشركو قريش على بذل أموالهم وخبراتهم وحشد كل طاقاتهم لمصادرة حركة الدعوة وتشويه صورة أصحابها، وأرسلوا العيون لتعقب النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبه، ورصدوا لأجل ذلك الأُعطيات، فقد وعد المشركون كل من يأتي بالنبي صلى الله عليه وسلم بمائة ناقة، ورغم كل هذا العداء حمى الله تعالى نبيه ونصر دعوته.
تعليقات
إرسال تعليق