القائمة الرئيسية

الصفحات



الأديبة والمفكرة الدكتورة حكيمة جعدوني.


من كتاب تأويل الأحرف في القرآن الكريم.


القرآن العظيم يُفهم ويشرح على مستويات متعدّدة، تتغيّر فيها دلالات الكلمات، كما تتبدّل رموز الحروف.


🔏 كلمة سبإ في النصّ القرآني.


 بسم الله الرحمن الرحيم 

 {لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ...}

(سورة سبإ: 15–21)


 فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ

﴿ سورة النمل 22﴾


✅ تتكرّر الإشارة إلى سبإ بوصفها موضعا، ومقاما، وحاملا لآية.


قَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِنْ مِصْرَ لِامْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْواهُ﴿ سورة يوسف 21﴾


وقَالَ ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ﴿ سورة يوسف 99﴾


ونَادَىٰ فِرْعَونُ فِي قَومِهِ قَالَ يَا قَومِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ ﴿سورة الزخرف 51﴾


اهْبِطُوا مِصْرًا فَإِنَّ لَكُمْ مَا سَأَلْتُمْ ﴿ سورة البقرة 61﴾


وأَوحَيْنَا إِلَىٰ مُوسَىٰ وأَخِيهِ أَنْ تَبَوآ لِقَومِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا ﴿ سورة يونس 87﴾


🔷 كلمة سبإ مكوّنة من ثلاثة أحرف، وكذلك كلمة مصر، وهذا التماثل العددي يفتح باب النظر إلى المثلث، وإلى مفهوم النقاط الثلاث بوصفها إحداثيات لتحديد المكان.

قال الله لموسى عليه السلام أنظر إلى الجبل، وبما أن الجبل: يأخذ شكل هرم وعليه فإِن:


🔹 سبإ: هرم ثلاثي الأوجه، ذو قاعدة مثلثية.

🔹 مصر: هرم خماسي الأوجه، ذو قاعدة خماسية.

ومن هنا يظهر اختلاف الوظيفة والدور بين المقامين.


🔶 العرش… من الرؤية إلى الإدراك:

مما نعلمه أنّه لا يوجد هرما ثلاثيا في المدينة المنورة "طيبة"، والجواب هو في الآية:

بسم الله الرحمن الرحيم 

 قَالَ نَكِّرُوا لَهَا عَرْشَهَا نَنْظُرْ أَتَهْتَدِي أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لَا يَهْتَدُونَ (41) فَلَمَّا

جَاءَتْ قِيلَ أَهَكَذَا عَرْشُكِ قَالَتْ كَأَنَّهُ هُو وأُوتِينَا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهَا وكُنَّا مُسْلِمِينَ (42) وصَدَّهَا مَا كَانَتْ تَعْبُدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنَّهَا كَانَتْ مِنْ قَومٍ كَافِرِينَ (43)

﴿ سورة النمل ﴾


✅حين استُحضر عرش سبإ الهرم إلى مقام سليمان عليه السلام واستقرّ، أحدث عليه تغييرات جعلت الملكة تكاد لا تتعرّف عليه.

فالآية:

{أَهَكَذَا عَرْشُكِ}

تشير، في بعدها الباطني، إلى تغيّر حالة العرش من كونه مرئيا إلى كونه موجودا خارج نطاق الرؤية البصرية.


 إنّ العرش، حين يكون في مركز نقطة بداية البعد الزمني الآخر، وإذا بني من حجارة جبل مقدّسة نوعية، وأوجهه المثلثية موزونة بدقة، فإنه يتأثر بمكان تواجده ويصبح غير مرئي للعين البشرية المجردة.


قولها: {كَأَنَّهُ هُو}، يحمل دلالة اللمس دون الرؤية، والإدراك دون الإبصار، وكأن العرش انتقل من حيّز المادة إلى حيّز الأثر.


تقدمت نحوه الملكة، تتلمّس جوانبه لتتأكّد إن كان عرشها أم لا، ثم قالت: "كأنّه هو"، وكانت تعني أنها لا تراه، ولكن لما تحسّسته بدا لها كأنه هو.


 ولهذا السبب زيّنت الملكة الهرم "العرش" بما هو ظاهر للعين، من حجر كريم وذهب وفضة وغيرها، حتى تتمكّن من رؤيته. 


أمّا سليمان عليه السلام، فقد أزال تلك الزينة كلّها وجعل العرش غير ظاهر للعين، لكن يمكن لمسه لمن يحدد مكانه بدقّة.  


ملاحظة: كان أحد ملوك قوم عاد، الملك شدّاد، قد بنى مملكة له في نقطة بداية البعد الزمني الآخر، ومن حجارة نوعية فريدة، فجعل قصره محجوبا عن الإدراك البصري، كما جاء عن جنّة الله تعالى الموجودة في الكون، ومحاطة بحجاب من الغيب إلا لمن حدّد مكانها بالضبط، فحينها يمكنه أن يراها.


⏫المستوى الثاني من التأويل:


بسم الله الرحمن الرحيم 

لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ ۖ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وشِمَالٍ ۖ ﴿سورة سبإ 15﴾


في كلمة سبإ، يتوسّط الحرف ب، ويحيل رمزيا إلى طيـ(ـبـ)ـة، بينما يشير س إلى يمين "طيبة"، وأما الحرف أ إلى شمالها.

فتصبح الكلمة، في هذا الأفق، توصيفا مكانيا دقيقا لبيئة ذات خصائص مميزة، جعلت ظروفهم المناخية والبيئية تختلف عن سائر بقاع الأرض، فهو آية، والآية تعني الشيء الخارق للمألوف. 


وكما تمّ ذكره سابقا عن تأثير الأبعاد الزمنية على الشخص الذي يلج إليها بعد تفعيل المفتاح ''بسم" و"أمين"، فإنه خلال العبور يزداد حجمه وشبابه. وآدم عليه السلام كان قد نزل من عالم الإله، وهو عظيم الطول مقارنة بذريّته التي خضعت لظروف عالم القوقعة بعده. وقوم عاد، والذين هم أيضا قوم سبإ الذين كانوا على أرض المدينة المنورة، لم تؤثّر عليهم كليّا ظروف عالم القوقعة الأرض، والسبب وراء ذلك هو المكان، إذ وصف الله مسكنهم بالآية، لأن الظروف في أماكنهم التي كانوا عليها كانت مختلفة عن باقي بقاع الأرض، مما جعل الأجسام قوية وعملاقة والأرض جنّة مخضرّة.

هذا الارتباط الحميم بين الأرض وساكنيها يجد تعبيره الكامل في علاقة الاسم بالمسمى، حيث لا ينفصل الأثر (العرش، الجنّة) عن أصله (البلدة الطيبة)، لينتقل البحث من تمظهرات المكان إلى هندسته الرمزية.


وهذا ما يفسّر طلب سليمان النبي لصاحب علم الكتاب أن يأتيه بعرش ملكة سبإ العظيم. ذاك العرش الذي تجاوز المقعد الملكي؛ إنه آية قائمة بحد ذاتها. فقد رُصّع وصيغ من كل ما هو ثمين: جواهر ومعادن ونفائس، وكلّها من تراب تلك الأرض المباركة. كان العرش انعكاسا لمقام الملكة ومسكنها، فإذا كان المكان آية، فلا عجب أن يكون العرش بدوره آية أيضا.


ملكة سبإ أوتيت من كلّ شيء وذلك كله في عرشها أيضا فالمكان لا يؤثر على ساكنيه وحدهم، بل ينساب أثره في كل ما فيه، مما بين السماء والأرض. لذلك كان قوم عاد الجبابرة ذوي انتشار واسع على الأرض، من حدود الأرض المباركة حتى المدينة المنورة، ومعها القرى المجاورة. غير أن سبإ، البلدة الطيبة، ظلّت الميدان الأشد صلابة، أين استقرّ الأقوى والأشرس من بين الجبابرة.


فليس غريبا أن يذكر الإله اثنين ممن أوتوا سعة العطاء: سبإ في البلدة الطيبة، فقيل عن ملكتها: وأوتيت من كل شيء. وذو القرنين في أرض مصر المجيدة، حيث ورد في شأنه: إنا مكّنا له في الأرض وآتيناه من كل شيء سببا. أيّ مفاتيح الأسباب، والقوة التي تصل به إلى المقاصد والغايات. وبين النيل الذي يفصل بين أرض مصر، والبلدة الطيّبة التي هي سبإ، تتجلّى خريطة لسرّ عظيم، حيث كان لكل مقام دوره، ولكل أرض رسالتها.


الحديث النبوي الشريف:

قال أما الباطنان فنهران في الجنة، وأما الظاهران فالنيل والفرات.


جاء فى رواية للبخاري (فإذا في أصلها أي سدرة المنتهى، أربعة أنهار) وعند مسلم (يخرج من أصلها) وعند مسلم أيضًا من حديث أبى هريرة (أربعة أنهار من الجنة النيل والفرات وسيحان وجيحان )


🔶 سبإ ومصر: الأصل والأسباب:


 (سبإ ، نهر النيل، مصر)


({{س، ب ،(أ )، (ن) ، (ي) ،ل ،(م )، ص، ر}})


نلاحظ من ترتيب الحروف ا، و ن، ثم ي، و م، وهي حروف كلمة المفتاح: آمين والتي سبق وشرحت معناها.


(ســ)ـبإ ، نهر النيل، مصـــ(ر)


حرف س، في بداية الجملة يشير إلى الشمال.


حرف ر، في نهاية الجملة يشير إلى الجنوب.


في نظام الأبعاد الزمنية الاتجاه هو جنوب-شمال.


وهناك فرق بين ملكة سبإ وذا القرنين هو أن الأولى تعني الأصل، الجذر الأول الذي تنبثق منه القوة، وهي المشرق. أما الثانية، أي مصر، فتعني الأسباب، المفاتيح والوسائل التي تسخّر لبناء الحضارة، وهي المغرب.

 

وعليه يكون المكان سبإ هو المشرق، ويكون المكان مصر هو المغرب. 


وبين الأصل والأسباب، وبين المشرق والمغرب، تتشكّل خريطة الأسرار، حيث يلتقي تسلسل الأبعاد الزمنية بعالم القوقعة (الأرض).


من جهة سبأ يسطع الضوء الأبيض، ومن جهة مصر يخبو الضوء المظلم، والفاصل بينهما نهر النيل، وبذلك تعدّ أقرب نقطتين لفتح بعد زمني آخر هما مكانين.


سبإ = (المسلك الأمن) أقرب نقطة شمال


النيل=(الفاصل بين مجالين)


مصر = (المسلك الغير آمن) أقرب نقطة جنوب.


خلق الله عالم القوقعة وجعل له مجال ضوء أبيض ومجال ضوء مظلم ويجتمعان عند نقطة إلتقاء ويفصل بينهما نهر النيل ومن تسلسل الأبعاد الزمنية للضوء الأبيض خلق كل شيء موجب (خير) ومن تسلسل الأبعاد الزمنية للضوء المظلم خلق كل شيء ناقص وأعني سالب(شر) وعليه تسلسل الأبعاد الزمنية الموجب والسالب يغذيان عالم القوقعة كالحبل السري للمشيمة عند الجنين.

. . .


 بهذا الفهم، تتحوّل سبإ من اسمٍ تاريخي إلى إحداثية كونية، ومن بلدة طيبة إلى نقطة عبور، ومن قصة إلى علامة.

إلى لقاء جديد، دمتم يقظين، تفلحوا.


تحياتي لإدارة الجريدة الراقية، بالتوفيق والسداد للجميع.

تعليقات