القائمة الرئيسية

الصفحات



بقلم/نشأت البسيوني 


هناك لحظة يا صديقي

تتعب فيها الذاكرة من الحنين

تصبح الذكريات ثقيلة

كأنها حجارة معلقة في القلب

تجذبنا إلى الأسفل كلما حاولنا الصعود نحو النسيان

نحن لا ننسى نحن فقط نتظاهر بذلك

نتعلم كيف نهذب الوجع

كيف نخفي ارتجافة الصوت حين يذكر الاسم

كيف نضحك في وجه الغياب

ونقول إننا تجاوزنا

بينما الحقيقة أننا لم نتجاوز شيئا قط

الحنين يا صديقي لا يموت فجأة

بل يشيخ ببطء داخلنا

يتكئ على الذكريات كعجوز فقد طريق العودة

يتذكر الضحكات القديمة

ورائحة الأماكن

وصوت الخطوات التي كانت تملأ الصمت بالحياة

ثم يبدأ بالتراجع

يضع عصاه على جدار القلب

ويتنهد بحسرة تقول كنت هنا يوما ما

فلا يبقى منه سوى بقايا دفء باهت

وسؤال لا جواب له

كيف تغيرنا إلى هذا الحد

أتعلم ما يؤلم أكثر من الفقد

أن تلتقي وجها كنت تحبه

فتجدك لا تملك أن تقترب

ولا تستطيع أن تبتعد

فتقف بين مسافتين

إحداهما توجعك لأنك تراها

والأخرى تقتلك لأنك لا تستطيع لمسها

كبرنا يا صديقي

كبرنا ونحن نظن أن الأيام ستشفينا

لكنها فقط علمتنا أن نخفي الألم بطريقة أكثر أناقة

أن نرتب انكساراتنا تحت ثياب من الصبر

ونمشي بخطوات واثقة نحو اللاشيء

يا لهذا العالم القاسي

يغرينا بالضحك ثم يسرق منا الفرح

يمنحنا لحظات صغيرة من النور

فنمضي العمر كله نبحث عن شبيه لها

ولا نجد إلا ظلالا باهتة

تذكرنا بما كنا عليه ذات زمن جميل

لكن رغم كل هذا التعب

ما زال فينا شيء لا يشيخ

شيء يقاوم الغياب والخذلان والدموع

كأن في أرواحنا بذرة ضوء لا تموت

تخبرنا أن القادم مهما كان قاسيا

سيحمل بين طياته بعض عزاء من السماء

يا صديقي

ربما لا نشفى من الحنين

لكننا نتعلم أن نعيش معه بسلام

أن نطبطب على وجعه كلما اشتعل

ونقول له اهدأ قليلا فالقلب لم يعد يحتمل أكثر

وفي نهاية كل حنين

حين يشيخ كل شيء فينا

يبقى الله وحده

ينفض عن أرواحنا غبار الذكريات

ويهمس في قلوبنا

لا تخف فالحياة تبدأ من حيث تظن أنها انتهت

تعليقات