حين يتحدث الليل إلى القمر

بقلم/نشأت البسيوني 

في عتمة المساء ثمة حوار لا يسمعه أحد بين ليل متعب وقمر يجيد الإنصات

حين يسدل الليل ستائره على العالم تبدأ الحكايات التي لا تروى في وضح النهار

يهدأ كل شيء وتغلق الأبواب وتطفأ الأضواء

ويبقى القلب وحده مستيقظا كأنه على موعد مع اعتراف مؤجل

أو نجوى صامتة لم تجد يوما طريقها إلى البوح

في الليل تتكلم الأرواح كما لا تفعل في النهار

يختفي الصخب وتظهر الحقيقة عارية بلا أقنعة

تتحدث الذكريات إلينا وتأتي الوجوه التي رحلت لتطرق أبواب الذاكرة برفق موجع

وما بين سكون النجوم وصوت الريح

يمتد حوار خفي بين الليل والقمر كأنه حوار بين الظلمة والنور بين الحزن والرجاء

يقول الليل للقمر كم أتعبني البشر بقلوبهم المليئة بالحنين

فيرد القمر بابتسامة حزينة لا ترى وأنا أراهم من عل كل منهم يظن أن وجعه وحده يملأ السماء

ثم يسكتان قليلا كمن يعرف أن الحديث لا يجدي وأن الصمت أحيانا أبلغ من الكلام

الليل يا صديقي ليس عتمة كما يظنه الناس

بل حضن واسع يجمع كل ما لا يقال

هو مرآة القلوب حين ترهقها الأضواء

وساحة الاعتراف التي يقف فيها الإنسان أمام نفسه دون خوف أو تجميل

أما القمر فهو شاهد تلك الأسرار

يراقبنا في صمت نبيل لا يفشي سرا ولا يلوم

كأنه صديق قديم يعرف كل شيء عنا ويكتفي بأن ينير الطريق قليلا

حين يتحدث الليل إلى القمر

يولد الشعر في قلوب العاشقين

وتستيقظ الذكريات من سباتها الطويل

وتبدأ الرسائل التي لم تكتب يوما بالتشكل في صدور أصحابها

هناك من يبتسم لوجه غاب وهناك من يبكي فقدا لا ينسى

وهناك من يرفع عينيه إلى القمر يبحث في وجهه عن ملامح من أحب

كأن القمر صار مرآة الغائبين

وفي هذا الحوار الصامت بين السماء والأرض

تتعلم الروح معنى السكون

وتدرك أن الهدوء ليس فراغا بل امتلاء بطريقة مختلفة

أن الوحدة ليست عقابا بل فرصة لأن تصغي إلى نفسك دون تشويش

أنك في الليل لا تكون وحيدا لأن القمر هناك

ينصت إليك حتى دون أن تنطق

يرى ما تخفيه في قلبك ويبتسم لك بلطف لا يفسر

ومع مرور الساعات حين يبدأ الفجر في تسريب ضوئه الخجول

يصمت الليل فجأة ويهمس للقمر مودعا

أخبرهم أنني حملت أسرارهم بأمان وأنني سأعود متى اشتاقوا إلى الصدق

فيرد القمر بنور خافت

وإلى أن تعود سأبقى أضيء لهم الطريق علهم لا يضلون

وحين يتحدث الليل إلى القمر

تسكن القلوب الهاربة وتهدأ العقول المرهقة

ويفهم الإنسان أن في الصمت حكايات أكثر من كل الكلام

فما أعمق تلك اللحظة التي تصغي فيها السماء إلى وجع الأرض

وما أرحم ذلك النور الذي لا يطلب شيئا سوى أن ينير