بقلم/نشأت البسيوني
في كل بقعة من هذه الأرض مهما اتسعت طرقاتها أو ضاقت أزقتها هناك قلب يسير مثقلا بليل لا يرى الليل الحقيقي ليس ذلك الذي يهبط على المدن كل مساء بل ذلك الذي يعلق روحه في صدر إنسان أخذ حقه أو سلب صوته أو انكسر العمود الفقري لحلمه تحت وطأة ظلم لم يكن يتوقعه من قريب ولا غريب إن الظلم يا صديقي ليس فعلا يرتكب فحسب بل ندبة تزرع في الروح وجرحا لا يندمل مهما
مرت عليه السنوات قد يتعلم الجسد كيف يتأقلم مع الألم لكن الروح لا تتقن هذا الفن القاسي الروح تظل معلقة عند اللحظة التي أهينت فيها وتعود إليها كلما أغمض صاحبها عينيه وليس أقسى من الظلم إلا صمته حين لا يجد المظلوم بابا يطرقه ولا يسمع العالم أنينه ولا يشعر أحد بالعرق المالح الذي يسيل من قلبه قبل جبهته يقال إن الدموع للهروب لكن دمعة المظلوم ليست هروبا إنها وصية
إنها العلامة التي تقول للعالم كله إن هناك شيئا انكسر ولم يلتئم كم من إنسان يمشي بجوارك ولا تدري أنه يحمل في صدره محكمة مفتوحة على مدار العمر يجلس في صمته وفي داخله شهود ومدعون ومنصات وذكريات تدينه بكل ما لم يرتكبه كم من شخص يعانق الجميع بينما تنهش داخله كلمات لم تقل له في وجهه واتهامات رميت عليه بلا رحمة وظنون تحولت إلى عواصف هدمت
حياته الظلم ليس حدثا يا صديقي إنه امتداد طويل أطول من العمر أحيانا هناك مظلومون ماتوا قبل أن تسجل قصصهم قبل أن يشرحوا كيف اتهموا بغير حق وكيف انطفأ فيهم شيء لا يعود وهناك آخرون قاوموا بقلوب مقطوعة وظلوا يبتسمون كي لا يفرح الظالمون برؤيتهم منكسرين هؤلاء أشجع من الجيوش لأنهم يحاربون في منطقة لا تراها العيون في الأعماق أتعرف ما الذي
يوجع بحق أن الظالم ينام أن الظالم يأكل ويضحك ويقبل على حياته كأن شيئا لم يكن بينما المظلوم يفتش الليل بحثا عن زاوية يضع فيها وجعه دون أن يراه أحد لكن الله وهو أعدل العادلين لم يخلق الظلم ليبقى فوق الأرض بلا حساب قد يتأخر الفجر نعم وقد يطول الطريق نعم لكن الحق لا يموت والسر الأكبر يكمن هنا الله لا يرد الظلم بل يقلبه يقلبه قوة في صدر صاحبه نورا في خطاه
ورفعة لا يدركها إلا من ذاق طعم الانكسار الذين ظلموا لم ينتهوا الذين ظلموا لم يخسروا هم فقط ينتظرون اللحظة التي يقول فيها القدر حان دوركم وستدهشك الحياة يا صديقي حين تكشف لك أن أكثر الناس قوة هم أولئك الذين كانوا أضعف لحظة أولئك الذين بكوا في الليل وحدهم ثم عادوا ووقفوا في الصباح كأن شيئا لم يحدث أولئك الذين مسحوا جراحهم بأيديهم ولم يشتكوا إلا لله ولم
يسمعوا حزنهم إلا للسماء إن الظلم لا يقتل إنما يوقظ يوقظ شيئا في الإنسان لا يولد إلا تحت الضغط ولا ينمو إلا في العتمة يقظة الوعي ونضج الروح وصلابة القلب الذي تعلم أن لا يثق بسهولة ولا ينكسر بسهولة ولأن كل ليل مهما طال لا بد أن ينتهي فإن ليل المظلوم ينتهي بطريقة تشبه المعجزات يستيقظ ذات صباح فيجد أن الله أبدله راحة لا تشبه راحة أحد وأن الذين أوجعوه لم يبق
منهم في قلبه إلا الغبار والعجيب أن المظلوم رغم كل ما ذاق لا يعرف الكراهية قد يبتعد قد يسكت قد ينكسر لكنه لا يتحول إلى ظالم لأن الألم الكبير يجعل الروح أكثر نقاء لا أكثر قسوة يا صديقي إن أردت أن تعرف معدن إنسان انظر إلى موقفه حين يظلم أو حين يظلم فالظلم امتحان للطرفين الظالم يسقط والمظلوم يعلو ولو بعد حين وما الحياة في النهاية إلا سطران أحدهما يكتبه الظالم بيده والآخر يكتبه الله بقدرته ومابين السطرين يمشي المظلوم شامخا لأ
ن السماء لا تنسى

تعليقات
إرسال تعليق