القائمة الرئيسية

الصفحات




تمرّ الحياة أمامنا كصفحات كتاب لا نملك حقّ إعادة كتابته ، لا نستطيع سوى قراءته كما هو ، ننهل من سطوره يومًا فرحًا ، ويومًا آخر ألمًا ، وبين الاثنين تتشكل ملامح حكايتنا.

 ولأن الأيام تمضي سريعًا ، فإن اللحظات السعيدة تأتي دائمًا بخفّة طائرٍ يرفرف قرب نافذتنا ثم يطير قبل أن نتمكن من لمسه ، تترك في القلب أثرًا ، وفي الروح فراغًا جميلاً لا يُمحى .


تلك الأيام التي نشعر فيها بأن الكون يصغي لهمساتنا وأن الطرقاتتفتح ذراعيها لنا ، وأن تفاصيل الحياة الصغيرة — فنجان قهوة ، إبتسامة عابرة ، لقاء غير متوقّع — تتحول إلى مهرجان من الدفء. 

نتمسك بها كأنها كنز ، نُخفيها في الذاكرة ونعود إليها كلما ضاقت بنا الدنيا .

ولكن …

ما إن نبدأ بتوخّي البقاء في تلك اللحظات ، يأتي الزمن بحكمه الذي لا يلين ، ويأخذها منّا كأنها لم تكن ، ليمتحن قدرتنا على الوقوف من جديد .


فالحياة لا تمنحنا الفرح بلا مقابل ، ولا تعطينا الأمان دون أن تُشعرنا أولًا بمدى هشاشتنا. 

تمرّ علينا أيام ثقيلة ، مطرّزة بالتعب والخذلان ، مملوءة بالأسئلة التي لا تجد إجابة ، وبالقلوب التي ترهقها الاشتياقات. 

لكن في عمق هذه الأيام تكمن الحكمة الحقيقية؛ فالحزن ليس عدوًا ، بل معلمًا صبورًا ، يُهذّب الروح ، ويرقّق القلب ، ويمنحنا قدرة على فهم الحياة أكبر بكثير مما يمنحه الفرح وحده .


ولولا العتمة ، لما عرفنا قيمة الضوء …

ولولا الغياب ، لما شعرنا بعمق الحضور …

ولولا الخسارة ، لما أدركنا روعة ما نملك …


هكذا تستمر الحياة :

مهرة جامحة لا تُروَّض ، تركض بنا بين البساتين مرة ، وبين العواصف مرة أخرى. 

نتمسك بسرجها بثبات ، ونعرف أننا مهما تعثرنا ، ستأتينا لحظة جميلة تُعيد ترتيب الدفء في قلوبنا ، وتمنحنا سببًا جديدًا لنبتسم .


إن اللحظات السعيدة قصيرة لأنها ثمينة ، وعابرة لأنها صافية ، ومحدودة لأنها خُلقت لتُقدّر لا لتعتاد . 

هي رسائل صغيرة من الله تقول لنا :

"لا تنسى أن الحياة ما زالت قادرة على أن تكون جميلة… حتى وإن أتعبتك."


فلنحتفظ بكل ومضة فرح ، بكل ضحكة صادقة ، بكل حضنٍ نلتقي فيه بسلام ، لأنها ما يصنع لنا ذاكرة نستظلّ بها حين تعصف بنا الأيام .


اللهم اجعل دروبنا نورًا لا ينطفئ ، وأيّامنا القادمة أجمل من كل ما مضى .


نهاية أسبوع مريحة للجميع

بقلم المعز غني

 عاشق الترحال وروح الاكتشاف


---

تعليقات