بقلم/نشأت البسيوني
كان الليل ثقيلا على صدري كأن السماء تهوي علي بظلالها السوداء وكنت أشعر أن شيئا في داخلي يتهيأ للرحيل لم تكن مجرد لحظة حزن عادية ولا انكسارا من كسور الأمس بل كانت النهاية التي ظلت تتشكل في صمت طويل حتى اكتملت في ساعة لم أستطع منعها في تلك اللحظة أدركت أن القلب مات
نعم مات
انطفأ كما تنطفئ آخر جمرة في موقد مهجور انطفأ بلا صرخة بلا رجاء بلا محاولة أخيرة للتمسك بما تبقى من دفء كان يوما سبب حياته وانطفأ لأن الحب الذي كان يسنده قد تآكل ولأن الأمل الذي كان يرفعه سقط دفعة واحدة
أمسكت قلبي بيدي لا شكلا بل معنى وشعرت ببرودته تمتد في داخلي كأنها ليل جديد يعيش في صدري رأيته جثة جثة مشاعر أنهكتها الطعنة تلو الطعنة والخذلان تلو الخذلان والصبر الذي صار ثقبا يبتلع ما تبقى من الضوء دون أن يعاد
لم أجد له مكانا يدفن فيه سوى أنا
أنا وحدي
ولا أحد غيري
حفرت له قبرا من الصمت العميق وسويت فوقه تراب الكبرياء ثم وضعت على رأسه شاهدا من الحزن وكتبت
هنا قلب خذل حتى فاضت روحه
وبعد دفنه لم أشعر بالراحة بل شعرت بفراغ يشبه الصحراء صحراء واسعة لا ظل فيها ولا ماء ولا خطوات تمر بجانبي كي تخبرني أنني لست وحدي كان كل شيء ساكنا السكون الذي لا يطمئن بل الذي يكشف كم كنت معلقا بوهم كبير وكم كنت أقاتل من أجل شيء مات قبل أن يحدث الموت الحقيقي
أعدت النظر إلى حياتي إلى الطرق التي قطعتها وأنا أجر قلبي خلفي كالأسير إلى الليالي التي أمسكت فيها جراحه لأمنع نزيفه إلى اللحظات التي سامح فيها من لا يفهم معنى الرحمة وقلت لنفسي
كل هذا وكل هذا ولم ينج
كيف يموت القلب رغم كل ما بذلته
كيف يرحل بينما ما زالت هناك كلمات معلقة لم تقل
كيف يستسلم وهو الذي قاوم ألف مرة
لكنني لم أعرف أن للقلب حدودا وأنه إذا وصل إلى حده الأخير لا يعود
منذ تلك الليلة تغيرت
تغيرت كما تتغير الأرض بعد الغرق
صرت أرضا يابسة لا تنبت إلا الحقيقة
لم أعد أصدق الكلام الذي يشبه المطر وهو في الحقيقة غبار
لم أعد أركض خلف من يضعني في آخر الصف
لم أعد أتنازل عن كرامتي لتصحو مشاعر غيري
لم أعد أطلب شيئا من أحد
فقد عرفت أن أقسى موت هو موت القلب وأن أبرد قبر هو الذي نحمله في صدورنا ولا نراه
صرت أتعامل مع الأيام بوجه لا يبحث عن حنان وصوت لا يرتجف وروح لا تستجدي قربا لكني في داخلي أعرف أن شيئا عظيما رحل وأن العودة إلى ما كنت عليه مستحيلة كبعث رماد صار جزءا من الريح
ومع ذلك
أنا واقف
واقف رغم موت القلب ورغم دفنه ورغم الفراغ الذي تركه خلفه
لأن الإنسان يا صديقي لا يموت دفعة واحدة
يموت جزءا ثم ينهض
يموت ألما ثم يتماسك
يموت قلبه لكن روحه تكمل الطريق
وها أنا أكمل الطريق
بقلب مات ودفنته
وبرأس تعلم كيف يحرس البقية
وبكرامة أصبحت سياجي الوحيد

تعليقات
إرسال تعليق