ها أنا أكتب كلماتي الأخيرة، لا أكتبها ترفًا ولا بحثًا عن تعاطف، بل لأن ما في صدري أثقل من أن يُحتمل. أشعر أن صدري صار مقبرةً للأسرار، وأن قلبي صار مستودعًا للخذلان. كم مرة حاولت أن أكون بخير، وكم مرة فشلت. كلما ظننت أنني شفيت، عاد الوجع من جديد أكثر قسوةً وعمقًا. هذه رسالتي إلى الحياة، إلى البشر، إلى كل قلبٍ مثقلٍ بالهم، إلى من يبتسم أمام الناس وهو يختنق في صمته، إلى من تعلم أن الصبر لا يعني أن الألم انتهى، بل أنك قررت ألا تُظهره. أكتب لأتخفف، لأغسل وجعي بالحبر، لأقول كل ما عجز لساني عنه، فربما تهدأ روحي قبل أن تغادر.
الحقد.. نارٌ تشتعل في الصدور وتلتهم أصحابها بصمتٍ بطيء
ما أشد قسوة الحقد حين يستقر في قلب إنسان، فهو لا ينام، لا يهدأ، لا يرحم. رأيت في عيونٍ كثيرة تلك الشرارة القاتلة التي لا تنطفئ، حقدًا متقنًا يختبئ خلف ابتساماتٍ زائفة وكلماتٍ منمقة، حقدًا يجعل صاحبه يراك بعينٍ لا تبصر إلا سقوطك، يتمنى وجعك دون سبب، ويشمت في لحظات ضعفك وكأنها عيد. الحقد يا صديقي لا يحتاج مبررًا، أحيانًا يكفي أنك نجحت، أنك محبوب، أنك لم تنكسر مثلهم. الحقد هو الوجع الذي يسكن صدورهم لأن أرواحهم فارغة من النور، لأنهم لم يعرفوا يومًا معنى الرضا. يعيش الحاقد عمره يراقب غيره بدل أن يرى نفسه، يكره النعمة على الناس فيحرم نفسه منها، يلهث وراء الانتقام فينسى طعم الراحة. رأيت حاقدين ماتوا ببطء، لم يقتلهم أحد، بل قتلهم ما في قلوبهم من سوادٍ لم يُغسل. الحقد يُميت القلب قبل الجسد، يجعل اللسان حادًا والعين مظلمة والنفس مثقلةً بالكراهية. وأقسى ما في الأمر أن الحاقد لا يدرك أنه هو المظلوم الحقيقي، لأنه سمح لسمومه أن تقتله كل يوم وهو يظن أنه ينتقم من غيره.
الغل.. سجنٌ من الغضب لا يُفتح بابه إلا لمن سامح نفسه
الغلّ ليس مجرد شعور، هو سجنٌ بلا جدرانٍ نحمله داخلنا. كلما حاولنا الهرب، أغلقت علينا جدرانه أكثر. الغلّ يجعل القلب حجرًا، والعقل سجينًا لذكرياتٍ قديمة لا تُمحى. كم من مرة شعرتُ أن قلبي يغلي كالنار كلما رأيتُ من ظلمني سعيدًا، كم من مرة تمنيت أن أرى من أوجعني يبكي لأرتاح، ثم اكتشفت أنني أنا الذي كنت أبكي من الداخل. الغلّ يستهلكنا، يسرق منا أعمارنا دون أن نشعر، يجعلنا نعيش نصف حياةٍ لأننا مشغولون بمراقبة الآخرين. الغلّ يُشبه الحريق الذي يبدأ بشرارةٍ صغيرة ثم يلتهم كل شيء حتى نفسك. رأيت قلوبًا جميلة أفسدها الغلّ، نفوسًا كانت بيضاء تحولت إلى رماد. لا شيء يهدم الإنسان كما يهدمه الغلّ، لأنه يجعلك تحارب طواحين الهواء، تتخيل أن انتقامك سيُطفئ وجعك، لكنه يزيد النار اشتعالًا. الغلّ لا يُشفى إلا بالتسامح، والتسامح لا يعني أنك نسيت، بل أنك قررت أن تُنقذ نفسك من الاحتراق.
الكره.. هو الوجه الآخر للخذلان
الكره لا يولد صدفة، بل يولد من جرحٍ عميق، من خذلانٍ لم تكن تتوقعه، من أملٍ انكسر في لحظة صدق. الكره ليس دائمًا عداءً، أحيانًا هو حيلةٌ نفسية للهروب من الألم، لأنك حين تكره من أحببته، تخفّف من وجعك قليلاً. الكره يستهلكنا، ينهكنا، يجعلنا سجناء لذكرى لم تعد تستحقنا. كم من إنسانٍ ظن أنه تجاوز فقط لأنه قال "أنا أكرهه"، بينما الحقيقة أنه ما زال يحمل صورته في قلبه كل ليلة. الكره طاقة مدمرة، تجعلك ترى الناس بعينٍ مشوهة، تزرع فيك الريبة، تجعلك تخاف من الحب القادم لأنك ما زلت أسير الماضي. الكاره لا يعيش سلامًا، بل يعيش في حربٍ داخلية لا يراها أحد. وكلما كره أكثر، ابتعد عن نفسه أكثر. الكره مرضٌ لا يُعالج إلا بالحب، بالصفح، بالقدرة على قول: لقد تأذيت، ولكني لن أُشبه من أوجعني.
عدم محبة الغير.. موتٌ بطيء للإنسانية
أصبح الحب الحقيقي عملة نادرة، صار الناس يحبون لمصلحةٍ أو لمنفعةٍ أو لفراغٍ يريدون أن يملؤوه. اختفى ذاك الشعور النقي الذي كنا نمنحه دون شروط، واستبدلناه بمقاييسٍ وحساباتٍ باردة. أصبحنا نخاف أن نُحب، لأن الحب في هذا الزمن يُوجع أكثر مما يُداوي. أين ذهبت القلوب التي كانت تفرح لفرح غيرها؟ أين ذهبت الأيادي التي تُصافح بحنانٍ لا بمصلحة؟ أصبحت المشاعر تُباع وتُشترى، حتى الطيبة صارت تُتهم بالسذاجة، والمروءة صارت تُقابل بالجحود. لم نعد نرى من يُحب لوجه الله، بل من يُحب ليستفيد. هذا الجفاف العاطفي جعل العالم مظلمًا، جعل العلاقات هشة، جعل القلوب كالحجارة لا تُبالي بدموع أحد. غابت الرحمة، فصارت الحياة قاسية، وصار الإنسان غريبًا وسط الناس. وأصعب ما في الأمر أن يظل فيك قلبٌ دافئ في زمنٍ بارد، أن تظل تُحب رغم أن الجميع باعوا مشاعرهم في سوق المصلحة.
الظلم.. أقسى ما عرفه القلب البشري
الظلم لا يُؤلم فقط، بل يُغيّر الإنسان من داخله. يقتل شيئًا جميلًا فيه إلى الأبد. حين تُظلم، تشعر أن العالم كله تآمر عليك، أن العدالة مجرد حكاية تُروى في القصص القديمة. رأيت في حياتي من يُكافأون على الخداع، ومن يُعاقبون لأنهم صادقون، رأيت الحق يُدفن تحت أكوامٍ من الزيف والوجوه المتلونة. الظلم يجعلك تشك في كل شيء، حتى في نفسك، يجعلك تفقد الثقة في الناس وفي القدر، يجعلك تتساءل كل يوم: لماذا أنا؟ لكنه في الوقت نفسه يُعلمك، يُريك كيف تكون قويًا دون قسوة، صبورًا دون استسلام. الظلم لا يُكسر الإنسان، بل يكشف أصالته. من نجا من الظلم ولم يتحول إلى ظالم، هو المنتصر الحقيقي.
الغدر.. الطعنة التي لا تلتئم
الغدر هو أن تأتيك الطعنة من حيث الأمان، من اليد التي أمسكتها يومًا لتطمئن. الغدر لا يُوجع لأنه خيانة فقط، بل لأنه يهدم داخلك فكرة الأمان نفسها. كم من مرة صدقنا وندمنا، أحببنا وانهزمنا، أعطينا دون حدود فوجدنا أنفسنا وحدنا في العراء. الغدر يجعل القلب قاسيًا بلا إرادة، يجعلنا نرتدي أقنعة الحذر حتى لا نُلدغ مرة أخرى، لكنه أيضًا يُميت فينا جزءًا من الطفولة، من البراءة، من الثقة في الناس. بعد الغدر لا نعود كما كنا، نضحك، نعم، ولكن بعمقٍ أقل، نُحب، ولكن بحذرٍ أكبر، نعيش، ولكن بلا يقينٍ في أحد.
في الجزء الثاني من رسالتي، أكمل حديثي من حيث توقف قلبي في المرة السابقة، لأحكي عن كل تلك المعارك الصغيرة التي نخوضها في صمت، المعارك التي لا تُرى لكنها تترك داخلنا خرابًا لا يُصلح. أكتب الآن لا لأشتكي، بل لأُفرغ كل ما أثقل صدري، لأضع الحقيقة عارية أمام من يظنون أن الحياة وردية، وأن القلوب تتشابه.
عن الحسد
أقسى ما رأيت في هذه الحياة أن تُصاب بنظرةٍ لم تتوقعها من أقرب الناس. الحسد لا يأتي دائمًا من عدو، بل كثيرًا ما يأتي من يدٍ كنت تمسكها وتُعينها على الحياة. رأيت من يبتسم لك وهو يلعنك في سره، من يدّعي الفرح لك بينما قلبه يغلي لأنك نجحت. الحسد يجعل الوجوه باهتة، والقلوب مريضة، والأنفاس ثقيلة. لم يعد الناس يفرحون لفرح بعضهم، صاروا يقيسون سعادتهم بسعادة غيرهم. وما علموا أن ما كتب الله لك لن يأخذه أحد، وأن رزقك لا يراه إلا من خلقك.
عن الظلم
الظلم يا سادة وجعٌ لا يُشبه أي وجع. ليس لأنك تُهان أو تُؤذى، بل لأنك تُعاقب على صدقك. كم من إنسانٍ مظلومٍ صمت لأنه تعب من تبرير نفسه، وكم من قلبٍ انكسر لأنه صدق من لا يستحق. الظلم لا يُمارسه الأقوياء فقط، بل حتى الضعفاء حين يُتاح لهم أن يُسكتوا صوت الحق. عشت مواقف جعلتني أوقن أن الدنيا ليست عادلة، وأن الناس يلبسون أقنعة العدل وهم أبعد ما يكونون عنه. لكني تعلمت أن الله لا ينسى، وأن الحق وإن تأخر، يأتي في الوقت الذي يشفي الجراح كلها دفعةً واحدة.
عن الوحدة
الوحدة ليست أن تعيش بلا أحد، بل أن تعيش بين الجميع وتشعر أنك بلا أحد. الوحدة هي حين تتحدث فلا يسمعك أحد، حين تبكي فلا يواسيك أحد، حين تتألم وتبتسم كي لا يراك أحد. عشت فتراتٍ من الصمت القاتل، كنت فيها محاطًا بالبشر لكن قلبي كأنه في غرفة مغلقة. الوحدة تُعلمك أن تعتمد على الله فقط، أن تكتفي بنفسك، أن تجد في عزلتك صدقًا لم تجده بين الجموع.
عن الخيانة
الخيانة ليست فقط أن يُطعنك أحد في ظهرك، بل أن يخذلك من كنت تراه سندك. هي وجعٌ لا يُشفى، لأنها تُدمّر الإحساس بالأمان. رأيت خياناتٍ مغلّفة بالكلمات الجميلة، ووعودًا سقطت كأنها لم تُقل يومًا. الخيانة لا تترك ندبة في القلب فحسب، بل تجعل الإنسان يعيش على حافة الشك طوال حياته.
عن الفقد
الفقد هو أقسى دروس الحياة، يُعلمك أن لا شيء يدوم، وأن أكثر من أحببت قد يرحل بلا عودة. الفقد لا يكون بالموت فقط، بل حين يبتعد من كان روحك وهو ما زال حيًّا. الفقد يُعلّمك أن التعلق وجع، وأن كل من تُحبهم مؤقتون، وأن البقاء لله وحده.
عن الخوف
الخوف يسكن فينا منذ الطفولة، لكنه يكبر كلما خذلتنا الحياة. نخاف أن نفشل، أن نفقد، أن نتألم، أن نحزن من جديد. نخاف من الغد لأننا لم نعد نثق في اليوم. الخوف يسرق منا لحظات الراحة، يجعلنا نعيش دائمًا على حافة القلق. لكني تعلمت أن مواجهة الخوف هي أول خطوة للحرية، وأن أقسى ما نخشاه لا يكون دائمًا بالقدر الذي تخيلناه.
ها أنا أكتب الجزء الأخير من رسالتي، بعدما أرهقتني الكلمات وأتعبني البوح، بعدما جفّ قلبي من كثرة ما نزف، وبعدما أدركت أن بعض الأوجاع لا تُشفى بالوقت، بل تظل حاضرة في كل نظرة وصوت وذكرى. في الأجزاء السابقة، تحدثت عن الحقد والغل والكره والخيانة والفقد، واليوم أكمل حديثي عن بقيّة ما ينهش روح الإنسان بصمت، عن تلك المشاعر التي تقتله ببطء وهو يبتسم كأنه بخير.
عن اليأس
اليأس ليس ضعفًا، بل نتيجة طبيعية لكثرة الخيبات. هو تلك اللحظة التي يتوقف فيها الإنسان عن الإيمان بأن الغد قد يحمل خيرًا، لحظة يشعر فيها أن كل الأبواب أُغلقت وأن النور الذي كان يراه في نهاية الطريق انطفأ فجأة. اليأس يُطفئ فينا الحماس، يسرق أحلامنا بهدوء، يجعلنا نعيش كأننا نؤدي واجب الحياة لا أكثر. عرفت طعم اليأس حين صرت أخاف حتى من الفرح، وحين فقدت القدرة على انتظار شيءٍ جميل. لكني تعلمت أن الله لا يترك قلبًا لجأ إليه، وأن بعد كل انكسار هناك قبس ضوء يخرج من بين الرماد.
عن الخداع والنفاق
أقسى ما يمكن أن يواجهه الإنسان هو أن يُخدع باسم المحبة. الخداع يسرق منك ثقتك بالناس وبالعالم، والنفاق يجعل الوجوه تتشابه حتى لا تعرف من معك ومن ضدك. رأيت من يبتسم وهو يزرع شوكًا في طريقي، ومن يتظاهر بالإخلاص وهو يبيعني عند أول فرصة. لم أعد أصدق المظاهر، ولا الكلمات المنمّقة، لأنني عرفت أن بعض الناس يتقنون الكذب كما يتقن الصادقون الدعاء. النفاق في هذا الزمن صار وسيلة للبقاء، لكني اخترت أن أعيش بوجهٍ واحد، حتى لو دفعت ثمن صدقي غاليًا.
عن الخذلان
الخذلان ليس في الفراق، بل في أن تمد يدك لمن وعدك أن يكون سندك، فيتركك تسقط دون أن يلتفت. الخذلان يجعل القلب هشًّا، لا يثق بسهولة ولا ينسى بسرعة. هناك خذلان يمرّ بك كريحٍ عابرة، وهناك خذلان يكسرك من الداخل فلا تعود كما كنت. أدركت أن بعض الناس يُظهرون قوتهم في اللحظة التي تضعف فيها، فقط ليشعروا أنهم أفضل. وما أقسى أن تتعلم درس الوفاء من الغدر، وأن تُدرك أن الطيبة في هذا الزمن تُكلفك أكثر مما تحتمل.
عن الغيرة
الغيرة نارٌ صامتة تلتهم النفوس من الداخل. الغيرة لا تأتي دائمًا من كره، بل من رغبةٍ دفينة في أن نملك ما في يد غيرنا. رأيت من يُنافسك على الفرح، ومن يحقد لأنك محبوب. الغيرة تُفسد الصداقات، وتقتل الحب، وتُحوّل الناس إلى نسخٍ باردة لا تعرف الرضا. تمنيت لو تعلم الناس أن ما كتبه الله لك لن يأخذه غيرك، وأن ما حُرمته اليوم ربما أنجاك من وجعٍ كنت لا تحتمله.
عن الكبر والغرور
الغرور يجعل الإنسان ينسى أنه من تراب. رأيت من يتحدث وكأنه خالد، من يتعامل مع الناس وكأنهم درجات أسفل منه. الكبر لا يظهر في الملبس ولا في المنصب، بل في النظرة التي تخلو من الرحمة. الغرور يجعل الإنسان أعمى عن نفسه، لا يرى عيوبه، ولا يسمع النصيحة. عشت بين من ظنوا أن الشهرة تحميهم، وأن المال يمنحهم قيمة، ثم رأيتهم يسقطون حين انطفأت الأضواء، لأن من تعلّى على الناس، أسقطه الله ليعرف حجمه الحقيقي.
عن الأنانية
الأنانية صارت لغة هذا العصر، كلٌ يبحث عن نفسه حتى لو كان الثمن هو خراب الآخرين. الأنانية جعلت العلاقات هشّة، والحب مصلحة، والصداقات مؤقتة. لم يعد أحد يسأل: "هل أنت بخير؟" بل صار السؤال: "ماذا أستفيد منك؟". رأيت من يطلب القرب فقط حين يحتاج، ومن يرحل حين تفرغ مصلحته. الأنانية تُميت الضمير، تجعل القلوب جامدة، وتزرع فينا قسوةً لا نراها إلا حين نخسر من أحببنا.
عن الفراغ والملل
هناك فراغٌ أخطر من الوحدة، فراغ الروح. حين تعيش بلا هدف، حين تفقد الحلم الذي كان يُحركك، تشعر أن الأيام تتكرر دون معنى. الملل يجعل الحياة رمادية، يجعلنا نتشبث بأشياء تافهة فقط لنملأ الفراغ. رأيت من يُغرق نفسه في اللهو، في العلاقات، في الضوضاء، فقط ليهرب من سكون داخلي يُخيفه. لكن الحقيقة أن الفراغ لا يُملأ إلا بالإيمان، وأن أجمل راحةٍ هي حين تنشغل بما يُرضي الله لا بما يُسكن الفراغ مؤقتًا.
عن الضياع
الضياع شعورٌ مرعب، أن تمشي في طرقٍ كثيرة ولا تجد نفسك في أي منها. أن تنظر في المرآة فلا تعرف من أنت، ولا ماذا تريد. الضياع لا يعني الجهل بالاتجاه، بل فقدان المعنى. كم من إنسانٍ ناجح في الظاهر لكنه ضائع في داخله، يبحث عن نفسه في تصفيق الناس وفي ضوء الكاميرا. الضياع يُميت البصيرة، يجعلنا نعيش في دوائر لا تنتهي، نُكرر نفس الأخطاء وكأننا لم نتعلم شيئًا.
عن الندم
الندم وجع العمر الطويل. أن تتمنى لو عاد الزمن لتُصلح ما أفسدت، أن تشتاق لفرصةٍ ضاعت، أو لوجهٍ رحل دون وداع. الندم يجعلنا نعيش في ماضٍ لا يعود، يُذكّرنا بأننا لم نُحسن الاختيار، ولم نُحسن التعبير. كم ندمنا على كلامٍ قلناه، أو صمتٍ طال أكثر مما يجب، أو قلبٍ خذلناه دون قصد. الندم يُربينا بعد فوات الأوان، ويُعلمنا أن نكون ألطف، ولكن بعد أن يكون الدرس قد انتهى.
عن خذلان النفس
أصعب خذلانٍ هو أن تخذل نفسك. أن تكتشف أنك كنت السبب في كل ما حدث، أنك من صدّقت من لا يستحق، ومن أصرّ على البقاء في مكانٍ يُدمّرك. خذلان النفس يُوجع أكثر من خذلان الآخرين، لأنه يجعلك تفقد ثقتك في قراراتك، في إحساسك، في قدرتك على النهوض. أدركت متأخرًا أن أقسى أعدائنا قد يسكن في داخلنا، وأننا نحتاج أحيانًا أن نُعاتب أنفسنا قبل أن نعاتب الناس.
وهكذا، تنتهي رسالتي، لا كبوحٍ أخير، بل كصلاةٍ صادقة خرجت من قلبٍ أنهكته الأيام. كتبت لأترك أثرًا، لا ليُقال إني تألمت، بل ليُفهم أن الإنسان مهما بدا قويًا، هو في النهاية هشّ من الداخل، يُخفي وراء صمته آلاف القصص التي لم تُروَ. إن كان في هذه الرسالة وجعٌ، فهو وجع كل من أحب بصدق وخُذل، من صدق في زمنٍ كاذب، من ظلّ
يُقاوم حتى آخر لحظة. هذه ليست رسالة رحيل، بل بقاء، بقاء للكلمة التي تشبه الروح… لا تموت أبدًا.
تعليقات
إرسال تعليق