مقابلة : الكاتب الصحفي والناقد الفني عمر ماهر
في زمنٍ باتت فيه الصورة تطغى على المعنى، ويضيع فيه الصدق وسط ضجيج العروض البصرية، يطلّ علينا الفنان الأردني منذر رياحنه من زاوية مختلفة تمامًا؛ لا كممثل يعتلي خشبة المسرح أو شاشة التلفاز، بل ككاتبٍ اختار أن يُصغي إلى نبض داخليٍّ لم يعد يحتمل الصمت.
من خلال مشاركته الأخيرة في معرض عمّان الدولي للكتاب، قدّم رياحنه لجمهوره روايته الأولى الموسومة بعنوان «عالم يتنفس الموت»، التي لم تكن مجرد تجربة أدبية عابرة، بل جاءت بمثابة اعترافٍ إنسانيّ مكتوب بالحبر والوجع، محمول على أجنحة التأمل والأمل.
في السطور التالية، نحاور الفنان والمؤلف في آنٍ واحد، عبر أسلوب السؤال والجواب، لنفهم عمق تجربته الجديدة، ونكتشف خفايا عالمٍ لا يتنفس الحياة فقط، بل يحمل في داخله شهيق الموت وزفير الحلم معًا.
كيف جاءت مشاركتك في معرض عمّان الدولي للكتاب هذا العام؟
جاءت مشاركتي من باب الشغف، ومن باب الحاجة إلى قول شيءٍ مختلف. لقد منحتني هذه التظاهرة الثقافية مساحة حقيقية للقاء الناس بعيدًا عن أضواء الكاميرا، وجهاً لوجه، بالكلمة لا بالمشهد، وبالصدق لا بالتمثيل. كان اللقاء إنسانيًا بامتياز، شعرت فيه أنني أقف أمام مرآة الناس، لا مرآة الشخصية التي أؤديها.
ما الذي تمثّله لك رواية «عالم يتنفس الموت»؟
هذه الرواية هي أكثر من تجربة أدبية، هي بوح داخلي، وربما هي اعترافٌ مؤجل. أردت أن أقول من خلالها إننا نعيش في عالمٍ مزدحمٍ بالألم، لكننا نحتاج، وسط كل ذلك، إلى لحظة تأمل، أو بصيص أمل. الفن والكتابة، بالنسبة لي، لهما هدف واحد: أن نصل إلى قلوب الناس، لا إلى عيونهم فقط.
ما الذي يميّز هذه الرواية من حيث الطرح والمضمون؟
الصدق. الصدق هو ما يميّزها. الرواية تحاول أن تلامس التناقضات التي نعيشها، أن تحكي وجع الإنسان بصوت الإنسان، لا بصوت الراوي البعيد. استخدمتُ الرموز، نعم، لكنني لم أهرب خلفها. أردت أن تكون كل كلمة فيها تشبه نبض قارئ يشعر بالخذلان مرة، وبالتمرد مرة أخرى، لكنه لا يتوقف عن الحلم.
كيف استقبل الجمهور هذه الرواية في المعرض؟
كان الاستقبال دافئًا وعفويًا ومليئًا بالمحبة. التقيت بجمهور واسع من القرّاء والإعلاميين والأصدقاء، وتبادلنا الكثير من الحوارات والتقاط الصور. لكن الأجمل من كل ذلك كان التفاعل مع النص ذاته؛ لقد شعرت بأن القارئ قرأ ما خلف السطور، وهذا ما أدهشني وأسعدني في آن.
هل وجدت صعوبة في الانتقال من عالم التمثيل إلى عالم الكتابة؟
الصعوبة الوحيدة كانت في المواجهة مع الذات. في التمثيل، أؤدي شخصية قد لا تشبهني، أما في الكتابة، فأنا أكتبني. الكلمة لا تكذب، ولا تستطيع أن تتجمل، لذلك كانت التجربة مرهقة من الداخل، لكنها حقيقية، ولأنها حقيقية، فإنها كانت ضرورية.
ما الرسالة التي أردت إيصالها من خلال هذه الرواية؟
أردت أن أقول للقارئ: أنت لست وحدك. في كل حرف كتبته وجعٌ يشبهنا جميعًا. نحن نعيش على حافة فقدٍ دائم، لكن ما يجعلنا نواصل هو القدرة على الحلم، حتى لو كان العالم يختنق من حولنا. الكتابة، بالنسبة لي، فعلُ مقاومة، ومتنفس في عالمٍ لا يكفّ عن الموت.
هل يمكن أن نراك مجددًا في عالم الرواية؟
بكل تأكيد. هذه البداية ليست نهاية، بل افتتاح لرحلةٍ جديدة. الكتابة أسرَتني، وربما أكون قد بدأت فصلاً آخر في حياتي، مختلفًا عن كل ما سبق. لقد أصبحت الكلمة عندي، مشهدًا يتجاوز حدود الشاشة… مشهدًا لا يُنسى.
منذر رياحنه، في تجربته الأدبية الأولى، لم يكن كاتبًا يحاول أن يثبت حضوره، بل إنسانًا يبحث عن ذاته في مرايا الآخرين.
«عالم يتنفس الموت» ليس مجرد عنوان رواية، بل عنوان مرحلة، وربما بداية لخطابٍ فنيّ جديد، فيه من الألم ما
يكفي للصدق، ومن الأمل ما يكفي للبقاء.
تعليقات
إرسال تعليق