الكاتب الصحفي والناقد الفني عمر ماهر
في لحظة فنية مفعمة بالشغف والإحساس، عادت النجمة رنا سماحة لتتصدر التريند وتعيد ترتيب مشهد الأغنية المصرية المعاصرة بأحدث أعمالها الغنائية "مهري حياة"، التي حملت توقيع الشاعر محمود سليم، وألحان محمود صلاح، وتوزيع محمد بدر، ومكس وماستر ماهر صلاح، وجيتارات محمد مغربي، وبيز جيتار سيكا، في عمل فني متكامل إنتاجيًا بإشراف معتز رضا. الأغنية التي خرجت للنور منذ ساعات قليلة فقط، أصبحت حديث مواقع التواصل الاجتماعي، لما حملته من مشاعر حقيقية وصوت مفعم بالعذوبة، جمع بين الإحساس الأنثوي الهادئ والقوة العاطفية المتدفقة التي تميز أداء رنا في كل ظهور جديد لها.
منذ اللحظة الأولى لطرح الأغنية، شعر الجمهور أن شيئًا مختلفًا يولد في ساحة الغناء، فـ"مهري حياة" لم تأتِ كأغنية عابرة، بل كرسالة مليئة بالصدق والوجدان. فالكلمات التي كتبها الشاعر محمود سليم جاءت عميقة وبسيطة في الوقت نفسه، تُعبّر عن حالة حبٍ ناضجة، وعن نظرة جديدة للعلاقة بين الرجل والمرأة في زمنٍ فقد فيه كثيرون المعنى الحقيقي للمشاعر. استخدم محمود سليم مفردات تُشبه الناس، ناعمة في لغتها، لكنها قوية في تأثيرها، ونجح في صياغة قصة غنائية فيها من الرومانسية ما يُلامس القلب، وفيها من الحكمة ما يذكّرنا بأن الحب الحقيقي ليس رفاهية بل حياة.
إبداع رنا سماحة في الأغنية جاء من قدرتها على تحويل الكلمات إلى إحساس حيّ، فصوتها الدافئ يُشبه البوح الداخلي، لا تصرخ لتلفت الانتباه، بل تهمس لتصل بصدق. هذه المدرسة الغنائية التي تنتمي إليها رنا تقوم على البساطة في الأداء والعمق في الإحساس، فهي لا تعتمد على القوة الصوتية فقط، بل على التعبير الفني، حيث يتحوّل كل حرف وكل نغمة إلى شعور يُنقل للمستمع دون وسائط. ومن يسمعها في "مهري حياة" يشعر أنه أمام فنانة تعرف تمامًا معنى أن تغني من القلب، دون أن تفقد اتزانها الفني أو إحساسها العالي بالكلمة واللحن.
اللحن الذي وضعه محمود صلاح جاء متناغمًا مع روح الكلمات، يحمل تلك النغمة الشرقية الرقيقة التي تُعيدنا إلى زمنٍ كان فيه اللحن هو اللغة الأساسية للتعبير عن المشاعر. لم يسعَ الملحن إلى إبهارٍ مصطنع أو تعقيدٍ موسيقي، بل اختار طريق الإحساس الصادق، فكانت النتيجة أغنية تُحفظ بسهولة وتُحب بسرعة. أما التوزيع الموسيقي لـمحمد بدر فكان بمثابة الغلاف الذهبي الذي أحاط بكل عناصر الأغنية، فقدّم مزيجًا ذكيًا بين الآلات الشرقية والكلاسيكية، ليخلق حالة صوتية متوازنة لا تُرهق الأذن، بل تُدلّل الإحساس. ومع بصمة الميكس والماستر لـماهر صلاح، خرج الصوت النهائي للأغنية في أبهى صورة، ليؤكد أن العمل الفني الناجح لا يولد من عنصرٍ واحد، بل من تكامل منظومة كاملة تؤمن بالفن وتعمل بإخلاص.
الآلات الموسيقية كان لها حضور مميز أيضًا، فـمحمد مغربي في الجيتارات وسيكا في البيز جيتار قدّما أداءً متناغمًا ومليئًا بالتفاصيل الدقيقة التي تُثري اللحن دون أن تطغى عليه. كل نغمة في الأغنية كانت تخدم المعنى لا تستعرض نفسها، وهذا ما جعل “مهري حياة” عملًا متكاملًا يذكّرنا بزمن كان فيه الفن يُصنع بالعقل والقلب معًا. ولا يمكن إغفال بصمة المنتج معتز رضا الذي منح العمل حرية فنية كاملة، ليخرج نقيًا وصادقًا كما أراده صُنّاعه.
الأغنية حملت في جوهرها فكرة فلسفية بسيطة لكنها عميقة: أن الإنسان حين يحب بصدق، يُصبح الحب بالنسبة له “مهر حياة”، لا يُقاس بالمال أو المظاهر، بل بالنية الصافية والموقف والوفاء. هذا المعنى الإنساني جعل الأغنية تلامس كل من استمع إليها، لأن الجميع يبحث عن هذا النوع من المشاعر الصافية التي تُعيد للروح توازنها. وهنا يظهر ذكاء رنا سماحة الفني، فهي لا تختار أغانيها عشوائيًا، بل تنتقيها كما تنتقي امرأة عطرها المفضل، بما يتناسب مع شخصيتها وصوتها ورؤيتها للحب والحياة.
أما عن ردود الأفعال، فقد اشتعلت مواقع التواصل الاجتماعي فور طرح الأغنية، حيث تداول الجمهور مقاطع منها بشكل واسع، وأشادوا بالأداء والإحساس والكلمة واللحن، واعتبرها كثيرون من أجمل أغنيات رنا منذ فترة طويلة. تصدّرت الأغنية التريند في ساعاتٍ قليلة، ليس فقط في مصر، بل في عدد من الدول العربية، وهو ما يعكس مدى اتساع جمهور رنا وتأثيرها العابر للحدود. وتحوّل هاشتاج مهري_حياة ورنا_سماحةإلى الأكثر تداولًا، بينما كتب الشاعر محمود سليم عبر حسابه الرسمي:
"جديد من كلماتي مع النجمة رنا_سماحة 🌹
مهري_حياة ❤️ من ألبوم مهري_حياة
كلمات: محمود سليم – ألحان: محمود صلاح – توزيع: محمد بدر – ميكس وماستر: ماهر صلاح – جيتارات: محمد مغربي – بيز جيتار: سيكا – Produced by: Moataz Reda
أتمنى تعجبكم 🌹"
هذا المنشور البسيط كان كافيًا ليُشعل الحماس بين محبي رنا ومتابعي الشاعر محمود سليم، الذين اعتبروا التعاون بينهما “لقاء فنيًا ناعمًا ومضيئًا” أعاد للأغنية المصرية بريقها الكلاسيكي في ثوبٍ عصري. كما أشاد المتابعون بجمال الكلمات وذكاء التوزيع وتوازن الإنتاج، مؤكدين أن الأغنية تستحق النجاح الذي حققته لأنها خرجت من قلوبٍ صادقة.
وبنظرة تحليلية، يمكن القول إن أغنية "مهري حياة" تمثل نقطة تحوّل جديدة في مسيرة رنا سماحة، فهي تؤكد بها أنها لم تعد فقط مطربة تمتلك صوتًا جميلًا، بل فنانة ناضجة تعرف كيف تختار، وكيف تعبّر، وكيف توازن بين الفن التجاري والفن الراقي. لقد استطاعت أن تُعيد للأغنية العاطفية رونقها دون أن تفقدها روح العصر، لتصبح نموذجًا لما يمكن أن تكون عليه الأغنية المصرية الحديثة: بسيطة، صادقة، وأنيقة.
وفي العمق، تعكس الأغنية فلسفة فنية جديدة تُعبّر عن جيلٍ من الفنانين يسعى لاستعادة قيمة الكلمة واللحن بعيدًا عن الصخب. فحين يقول الشاعر محمود سليم “مهري حياة”، فهو لا يكتب عن الحب فقط، بل عن معنى العطاء الإنساني في زمنٍ قلّ فيه الصدق. وعندما تُغني رنا هذه الكلمات، فهي تُحوّلها إلى حالة شعورية صافية تُذكّر الجمهور بأن الفن ما زال قادرًا على أن يُطهّر الروح ويُعيد لها الأمل.
وفي النهاية، يمكن القول إن هذا العمل ليس مجرد أغنية ناجحة، بل رسالة فنية متكاملة تعبّر عن جيلٍ يُؤمن أن الفن لا يُقاس بعدد المشاهدات بل بمدى تأثيره في الناس. فـ"مهري حياة" ليست فقط تعاونًا بين مجموعة من المبدعين، بل هي حالة وجدانية منسوجة بخيوط من الصدق والحب والإحساس الراقي. ومع هذا النجاح الكبير، تثبت رنا سماحة أنها ليست مجرد نجمة تتصدر التريند، بل رمز لمرحلة جديدة في الأغنية المصرية تعيد فيها التوازن بين الطرب والأصالة والتجديد.

تعليقات
إرسال تعليق