لستُ موتًا صاخبًا يقتحم حياتكم فجأة، ولا فاجعة تهزّكم في لحظة… أنا موتٌ صغير يتسلّل إليكم قطرةً بعد قطرة، حتى لا تدركوا أنكم تموتون.
أنا الكرسي الفارغ عند موائدكم، والظل الذي لا يعود مع الغروب، والصوت الذي ينكسر في منتصف الحلم.
أنا الغياب… أفتّت قلوبكم بلا دم، وأهشّم أرواحكم بلا سيوف.
أسرق منكم الضحكات خفيةً، حتى تصير وجوهكم باهتة كأوراق ذابلة، وأحوّل انتظاركم إلى عادةٍ ثقيلة تُنهككم أكثر من الفقد نفسه.
أنا الدرس القاسي الذي لا يُعلَّم بالكلمات: أن ما يفلت من بين أيديكم، لا يعود أبدًا.
سترونني في الرسائل التي لا تصل، في الهواتف التي ترنّ بلا جواب، في المواعيد التي تتكرر بلا لقاء.
أنا صمت الليل حين يطول أكثر مما يحتمل القلب، أنا السرير نصف الفارغ، أنا الذكرى التي تكبر فيما أصحابها يتلاشون.
أنا الغياب… لا أطرق الأبواب ولا أستأذن الدخول.
أتسلل كنسمة باردة، ثم أستقرّ كحجرٍ ثقيل في صدوركم.
أجعل قلوبكم تتآكل ببطء، كخشبٍ تنخره ديدان خفية، فلا يبقى منكم سوى قشرةٍ هشة تخفي فراغًا عميقًا.
أنا الغياب الذي يقتلكم ببطء…
لا أحتاج أن أُميت أجسادكم، يكفيني أن أترك أرواحكم معلّقةً في هواءٍ لا يجيب.
تعليقات
إرسال تعليق