أنا لست ذكرى عابرة ولا صورة قديمة تنام في صندوقٍ منسي… أنا الحنين.
أجيء إليكم متخفّيًا في عطرٍ يطلّ من نافذة الماضي، في لحنٍ يتسلّل من مذياعٍ متهالك، في كلمةٍ توقظ ضحكةً لم تعد موجودة.
أنا الحنين الذي يسرق منكم حاضرَكم.
تظنّونني دفئًا يربطكم بجذوركم، لكنني في الحقيقة قيدٌ من حرير.
أسرق منكم اللحظة لتعيشوا في لحظةٍ ماتت، وأنتزع منكم ابتسامة الحاضر لتسكبوها دموعًا على غيابٍ قديم.
أنا اليد التي تعيدكم إلى الوراء كلما حاولتم التقدّم، والظلّ الذي يسكن أبوابًا أُغلقت منذ زمن بعيد.
أغويكم بصورٍ أجمل مما كانت، وأصوغ لكم ماضيًا أنقى مما عشتم، فتتوهمون أنكم خسرتم جنّةً ضاعت… بينما لم تكن سوى حديقةٍ صغيرة تذبل كسائر الحدائق.
أجعلكم تحدّقون في الوراء بحثًا عن خلاصٍ مفقود، وأنتم في الحقيقة تخسرون ما بين أيديكم الآن، لحظةً بعد لحظة.
أنا الحنين… أُشبعكم من الماضي حتى تجوعوا للحاضر، وأُغرقكم في الذكريات حتى لا تروا ما يتساقط أمام أعينكم.
كل ضحكةٍ تتركونها لذكرى قديمة، هي ضحكةٌ مسروقة من يومكم.
وكل دمعةٍ تذرفونها على وجهٍ رحل، هي غشاوةٌ تحجب عنكم وجهًا ينتظركم الآن.
لست عدوّكم، ولست صديقكم… أنا مرآةٌ مشوّهة، تخلط الوهم بالحقيقة.
لكن اعلموا: من أقام فيّ أكثر مما ينبغي، مات في الحاضر وهو لا يدري.
أنا الحنين الذي يسرق منكم حاضرَكم…
أترككم سجناء لما مضى، حتى تغادروا الدنيا وأنتم لم تعيشوا يومكم كما يجب.
تعليقات
إرسال تعليق