ليس ما يُثقل الجيب هو ما يُقلقني، بل ما يُفرغ القلب من نبض الخير، ويُطفئ فيه جذوة العطاء. فالفقر الحقيقي ليس في قلة المال، بل في جفاف الروح حين تعجز عن أن تُضيء لغيرها طريقًا، أو تُسند قلبًا، أو تُنبت في أرضٍ قاحلة بذرة أمل. إن ما يُحمل في اليد من متاعٍ زائل، وما يُختزن في الخزائن من ذهبٍ فانٍ، أما ما يُحمل في الضمير من نيةٍ طيبة، وعملٍ نقي، فهو الزاد الذي لا ينفد، والكنز الذي لا يُسرق، والرفيق الذي لا يُغادرك حتى في وحدتك.
تعلمتُ أن الحياة لا تُجابه بالبكاء، ولا تُروض بالشكوى، بل تُحتمل بثباتٍ يشبه جذور الأشجار حين تعانق الأرض، وبرضاٍ يشبه ابتسامة الصابرين في وجه العاصفة، وبقدرةٍ على تحويل الوجع إلى معنى، والخذلان إلى حكمة، والانكسار إلى نضج. ليست الحياة مأساةً كما يراها العابرون، بل امتحانٌ في الصبر، وميدانٌ لمن أراد أن يرتقي دون أن يعلو صوته، ويغوص في المعنى دون أن يغرق في التفاصيل، ويكون حاضرًا دون أن يطلب التصفيق.
رأيتُ السنبلة الفارغة ترفع رأسها في كبرياءٍ أجوف، كأنها تقول: "انظروا إليّ، فإني عالية"، بينما السنبلة الممتلئة تنحني في صمتٍ نبيل، كأنها تهمس: "دعوا الخير يتحدث عني، فالصوت لا يصنع القيمة". فالتواضع ليس انكسارًا، بل رفعةٌ لا تحتاج إلى إعلان، والكِبر ليس قوة، بل ضعفٌ يتنكر في هيئةٍ صاخبة، يطلب الضوء لأنه لا يملك النور.
من أراد أن يُحترم، فليزرع في طريقه أثرًا طيبًا، لا يُمحى بالغياب، ومن أراد أن يُخلّد، فليجعل من كل لحظة مرآةً لضميره، لا لصورته. فالحياة لا تُقاس بطولها، بل بعمقها، ولا تُروى بأحداثها، بل بما نتركه فيها من نورٍ يسكن القلوب، ويضيء بعد الرحيل.
بقلم الأستاذة خديجة آلاء شريف
الجزائر
تعليقات
إرسال تعليق