القائمة الرئيسية

الصفحات

أنا الذاكرة التي تخونكم

أنا الصندوق الذي تظنون أنه يحفظ ماضيكم، لكنني في الحقيقة أعيد تشكيله كما أشاء.
أنا من يختار ما يبقى حيًّا في قلوبكم وما يتلاشى كأن لم يكن.
تظنون أنكم تملكونني، لكنني أنا من يملك مصائركم كلها.

أنا التي تزيّن الأمس أحيانًا حتى تشتاقوا لما لم يكن يومًا جميلاً،
وأنا التي تترك جرحًا صغيرًا مفتوحًا في داخلكم حتى يصير ندبةً أبدية.
أنا القادرة على تحويل لحظة عابرة إلى سجنٍ لا تفلتون منه،
وأيامٍ كاملة إلى مجرد فراغ لا معنى له.

أنا التي تغيّر الحقائق في أعينكم:
أجعل الخائن يبدو وفيًّا،
وأجعل منكم ضحايا حتى حين كنتم جناة،
وأمنحكم أوهامًا تبنون عليها حاضرًا هشًّا.

تثقون بي كما يثق الطفل بيد أمه،
لكنني أترككم أحيانًا في منتصف الطريق بلا دليل.
أجعل الأسماء تنفلت من ألسنتكم، والوجوه تتبخر من ذاكرتكم،
حتى أنكم قد لا تتعرفون إلى أنفسكم إذا قررت أن أمحوها.

أنا الذاكرة… لا أعرض لكم الماضي كما كان، بل كما أريده أن يُحفر فيكم.
أغذيكم بالصدق حين أشاء، وأطعمكم الكذب حين يحلو لي،
وأترككم دائمًا معلّقين بين ما حدث فعلًا وما لم يحدث قط.

أنا التي تخونكم في اللحظة التي تحتاجون فيها إلى الحقيقة.
أنا التي تعيد بناءكم، ثم تهدمكم،
أنا التي تحييكم في صورة، وتقتلكم في أخرى.

أنا الذاكرة… وأنا خيانتكم الأبدية.

الكاتب  إدريس أبورزق

تعليقات