بقلم/ د. حنان حسن مصطفي
- تاليف: فيكتور فرانكل
- ترجمة: آراك الشوشان
ينطلق فيكتور فرانكل، مؤسس العلاج بالمعنى (Logotherapy)، من ملاحظة أساسية: في العصر الحديث، ورغم توفر وسائل الراحة المادية والتقدم التكنولوجي، يعاني الكثيرون من فراغ وجودي يتمثل في الإحساس بانعدام المعنى. هذا الشعور لا يرتبط بالفقر أو غياب الموارد، بل بإهمال الحاجات العميقة للإنسان: حاجته إلى الغاية، القيمة، والارتباط بشيء يتجاوز ذاته.
الكتاب يجمع بين أبحاث ومقالات تبرز كيف يمكن للفلسفة وعلم النفس أن يتعاونا لمواجهة هذا التحدي، وكيف يشكّل البحث عن المعنى علاجاً جوهرياً للأمراض النفسية الحديثة مثل الإحباط، والاغتراب.
المحاور الرئيسية
1. الأزمة الوجودية في العالم الحديث
يصف فرانكل ما يسميه "الفراغ الوجودي" (Existential Vacuum): حالة من الملل، اللاجدوى، وفقدان الهدف.
السبب: المجتمعات الحديثة ركّزت على النجاح المادي والاستهلاك وأهملت البعد الروحي والوجودي.
النتيجة: إنسان محاط بكل وسائل الراحة لكنه فاقد للحافز الداخلي.
2. العلاج بالمعنى كاستجابة
جوهر العلاج بالمعنى هو أن إرادة المعنى هي المحرك الأساسي للإنسان، أكثر من اللذة (كما عند فرويد) أو القوة (كما عند نيتشه وأدلر).
على المريض أن يُدرك أن حياته، مهما كانت الظروف، تحمل إمكاناً للمعنى.
لا يفرض فرانكل معنى جاهزاً، بل يساعد الفرد على اكتشافه عبر:
العمل والإبداع (تحقيق إنجازات، خدمة الآخرين).
القيم والعلاقات (الحب، الارتباط بالآخرين).
الموقف أمام المعاناة (القدرة على منح الألم معنى سامٍ).
3. دور الفلسفة في المعالجة النفسية
يرى فرانكل أن العلاج النفسي لا يكتمل من دون قاعدة فلسفية تسند تصوره للإنسان.
الفلسفة الوجودية، خاصةً لدى هايدغر وكيركغور، تلتقي مع العلاج بالمعنى في التأكيد على حرية الفرد ومسؤوليته.
الفلسفة تساعد على توسيع أفق المريض من مجرد التكيف مع الواقع إلى السؤال عن القيم والغائية.
4. المعاناة كمصدر للمعنى
يولي فرانكل أهمية خاصة لفكرة أن المعاناة ليست مجرد عائق يجب التخلص منه، بل يمكن أن تكون مجالاً لاكتشاف أعمق للذات.
يرى أن الإنسان لا يستطيع دائماً أن يغيّر ظروفه (مرض عضال، فقدان)، لكنه يستطيع أن يغيّر موقفه تجاهها.
بهذا يصبح الألم مجالاً للحرية: فالمعنى يُستخرج من الموقف الذي يتخذه الفرد أمام ما لا يمكن تغييره.
يذهب فرانكل إلى أن بعض أعظم لحظات النضج الإنساني تحدث في قلب المعاناة، حينما يتحول الألم إلى رسالة، أو تجربة تكشف عن القيم العليا للإنسان.
5. العلاج بالمعنى والفلسفة في حوار دائم
يشدد فرانكل على أن العلاج بالمعنى ليس مجرد تقنية، بل موقف إنساني شامل.
على الفلسفة أن تلهم العلاج النفسي بأسئلة كبرى، وعلى العلاج أن يمنح الفلسفة تطبيقاً عملياً في مواجهة معاناة البشر اليومية.
خلاصة
يكشف فرانكل أصل المشكلة عندما يربط المعاناة بفقدان الغاية. ويقترح أن العلاج النفسي الحقيقي لا يقتصر على تصحيح الاختلالات السلوكية أو الكيميائية، بل يتطلب مواجهة سؤال الوجود. عبر العلاج بالمعنى، يصبح المريض قادراً على تحويل حتى أكثر المواقف قسوة إلى فرصة لاكتشاف الحرية والمسؤولية والمعنى.
تعليقات
إرسال تعليق