القائمة الرئيسية

الصفحات

مقالة بين القلب والعقل رحلة التوازن في دروب الحياة

بين القلب والعقل  رحلة التوازن في دروب الحياة  
تأملات في اتزان الروح بين نبض القلب وحكمة العقل، حيث يُصبح الذكر ملاذًا، والصبر زادًا، والصدق مفتاح الصفاء.  
هل يمكن للروح أن تتوازن بين نبض القلب وحكمة العقل؟  
          توازن الأرواح بين نبض القلب وحكمة العقل  
هو ذلك الحضور العميق الذي يجمع بين البعد الوجداني والتأملي، حيث تتصافى الروح في لحظة إدراك، وتتعلم كيف يكون الاتزان فنًا لا يُدرك إلا بالصدق، ولا يحفظك إلا بالذكر، ولا يُثمر إلا حين يتعانق الإحساس بالحكمة في محراب النفس .
       إنّ في داخل كل إنسان ساحةً خفيّةً يتصارع فيها القلب والعقل، لا ليهزم أحدهما الآخر، بل ليبحثا معًا عن توازنٍ يليق بصفاء الروح. ذلك الصراع ليس عيبًا ولا ضعفًا، بل هو ما يميزنا، ويجعلنا نعيد النظر في خطواتنا، ونُهذّب أنفسنا كلما اشتدت علينا وطأة الحياة.
      القلب، ذلك النبض الذي لا يُرى، هو موطن الإحساس، ومرآة الرحمة، ومأوى المحبة. فيه تنبض القلوب البيضاء، تلك التي وإن غطّاها غبار الحياة، تظل قادرة على النقاء، إذا ما لامستها نفحات الذكر، وارتوت من معين الإيمان.  
أما العقل، فهو الحارس الذي يزن الأمور، ويعيد ترتيب الأولويات، ويمنحنا القدرة على التروي والحكمة. لكنه إن تُرك وحده دون تهذيب، قد يتحول إلى آلة جافة، تُقصي الرحمة وتُغيب الإحساس، فيغدو الإنسان حائرًا بين صقيع المنطق ولهيب العاطفة.
        النفس، بطبيعتها، أمّارة بالسوء، لكنها قابلة للتهذيب والتزكية. وبين رغباتها الجامحة وضميرها الحي، تقع مسؤوليتنا في الاختيار. وهنا يظهر دور الإيمان، ودور الذكر، ودور المجاهدة، في تقويم النفس، وتوجيهها نحو الخير، بعيدًا عن الاستسلام للضعف أو الانقياد للهوى.
        حين تضيق النفس، وتشتد وطأة الصراع، لا ملجأ أصفى من ذكر الله. ففيه سكينة، وفيه نور، وفيه طمأنينة تعيد ترتيب الداخل، وتنعش القلب، وتهذب العقل. الذكر ليس مجرد ترديد، بل هو حضور روحي يعيد الإنسان إلى جوهره النقي، ويمنحه القدرة على مواجهة الحياة دون أن يفقد بريقه.
        الحياة، وإن قست، ليست بلا أمل. واليأس ليس خيارًا لمن يؤمن بأن الله أقرب إليه من حبل الوريد. كل لحظة ضعف يمكن أن تتحول إلى نقطة انطلاق، وكل انكسار يمكن أن يولد منه نور جديد، إن نحن تمسكنا بالأمل واستعنا بالله، وصدقنا في المجاهدة.
      التوازن بين القلب والعقل ليس مهمةً عابرة، بل هو فنٌ راقٍ لا يتقنه إلا من درّب نفسه على التأمل، وعلّمها الصبر، وأدّبها بالحب والخشية واليقين. وهو مشروع العمر، يبدأ من لحظة الإدراك، ولا ينتهي إلا بانتهاء الرحلة. يتطلب مجاهدة، ومراقبة، واستعانة بالله، وتغذية مستمرة للروح عبر العلم، والذكر، والصحبة الصالحة، والتأمل في خلق الله.
      حين يتكامل القلب والعقل، يُولد القرار الحكيم، والموقف النبيل، والنص الصادق. وحين يتصارعان، تتشوش الرؤية، ويضيع الصفاء، ويختل الميزان، ويغدو الإنسان غريبًا عن ذاته، مترددًا في خطواته، باهتًا في ملامحه.
      وما بين كل هذه التقلبات، يبقى الدعاء هو الحبل الذي نتمسك به، والاستعانة بالله هي النور الذي لا يخبو. فالله المستعان في تهذيب النفس، وفي حفظ القلب من القسوة، وفي توجيه العقل نحو الحكمة. ومن سار على هذا الدرب، فلن يُضيّعه الله أبدًا، بل سيمنحه من صفاء الروح ما يُضيء له الطريق، ويجعله من أهل البصيرة والرحمة، ومن الذين يوازنون بين العقل والقلب، فيكونوا بحقّ منارات في دروب الحياة.
قلم الأستاذة خديجة آلاء شريف  
يوم :12/08/2025
الجزائر 

تعليقات