القائمة الرئيسية

الصفحات

نبيل أبوالياسين : التمادي الصهيوني يُفجّر الغرب •• نيوزيلندا تقود ثورة الاعتراف بفلسطين

 


الإخبارية نيوز: 

في عالمٍ تتنازع فيه المصالح وتتضاءل فيه الأصوات الإنسانية، أطلّت علينا نيوزيلندا من أقصى الأرض بصوتٍ جريءٍ لا يخشى قول الحقيقة. صوتٌ يكسر حاجز الصمت الدولي المهيب أمام ما يحدث في غزة، ويُعيد للبصيرة الإنسانية مكانتها فوق حسابات السياسة. فبينما يكتفي كثيرون ببيانات دبلوماسية خجولة، جاء رئيس الوزراء النيوزيلندي بتصريحٍ مدوٍ لم يكن مجرد إدانة، بل كان شهادة تاريخية على أن ضمير العالم لم يمت بعد، وأن الإنسانية ليست حكرًا على منطقة دون أخرى، ولا يمكن أن تُقاس بمعايير مزدوجة. هذا المقال يسلط الضوء على الأبعاد العميقة لتلك التصريحات غير المسبوقة، والتي تضع نيوزيلندا في مصاف الدول التي تقود الرأي العام العالمي نحو موقف أكثر عدالة ووضوحًا.


نتنياهو "فقد صوابه": تصريحٌ تاريخي يزلزل المشهد السياسي









في خطوةٍ لا يتردد كثيرون في وصفها بالتاريخية، أعلن رئيس الوزراء النيوزيلندي كريستوفر لوكسون أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قد "تمادى كثيرًا وفقد صوابه". هذا التصريح ليس مجرد انتقاد سياسي عابر، بل هو تشخيص صريح يضع المسؤولية كاملة على القيادة الإسرائيلية في ظل استمرار الحرب على غزة. وقد ربط لوكسون هذا الوصف بما يحدث من نقص فادح في المساعدات الإنسانية والتهجير القسري للمواطنين، واصفًا هذه الأفعال بأنها "مروعة تمامًا". يأتي هذا التصريح ليعكس موقفًا حاسمًا من حكومة يمين الوسط في نيوزيلندا، وهو ما يبعث برسالة قوية بأن معاناة الشعب الفلسطيني لم تعد قضية هامشية يمكن تجاهلها، بل أصبحت محط اهتمام دولي يضع قادة العالم أمام مسؤولياتهم الأخلاقية.


تسونامي سياسي ومطالبات بالاعتراف بدولة فلسطين










يُشكّل التوجه المتزايد للاعتراف بدولة فلسطينية من قبل دول كبرى مثل أستراليا، كندا، وبريطانيا، بالإضافة إلى نيوزيلندا نفسها، ما يمكن وصفه بـ"تسونامي سياسي"لا يمكن تجاهله. لقد أعلن وزير الخارجية النيوزيلندي ونستون بيترز عن عزم بلاده الاعتراف بدولة فلسطينية، مؤكدًا أن الأمر ليس محل شك بل هو مسألة وقت. هذا التحول في المواقف الدولية يؤكد أن "ثمن" ما يجري في غزة كان باهظًا جدًا على الساحة العالمية، وأن التضحيات الفلسطينية لم تذهب هدرًا، بل أدت إلى تغيير عميق في الرأي العام العالمي. وفي نيوزيلندا، تزايدت الضغوط الشعبية والبرلمانية من أجل الاعتراف بفلسطين، حيث خرج متظاهرون حاملين أواني الطبخ أمام البرلمان للمطالبة بـ "التحلي بالشجاعة والاعتراف بفلسطين"، وهو ما يعكس أن هذا المطلب لم يعد مجرد قرار سياسي، بل أصبح مطلبًا شعبيًا يلامس وجدان المجتمع.


إدانة دولية وفشل في إدخال المساعدات



في ظل استمرار الحرب، تتعالى الأصوات الدولية المنددة بالأزمة الإنسانية في غزة. فلقد حذر العديد من الحلفاء الأوروبيين والمنظمات الدولية مثل منظمة الصحة العالمية من أن الأزمة الإنسانية قد وصلت إلى "مستويات لا يمكن تصورها". ماري روبنسون، رئيسة أيرلندا السابقة، وصفت ما يجري بأنه "إبادة جماعية"، ودعت إلى حشد الجهود العالمية لوقفها. كما أكدت أن آلاف الشاحنات التي تحمل المساعدات الإنسانية تمنع من دخول القطاع "لذرائع غير مقبولة وغير منطقية". في مجمع الشفاء الطبي، تتفاقم الأوضاع، حيث يؤكد المدير أن 55 ألف امرأة حامل تعاني سوء التغذية، وأن المنظومة الصحية قد انهارت تمامًا، في ظل منع الاحتلال لدخول المساعدات الطبية، مما يعكس أن الكارثة الإنسانية لا تقتصر على نقص الغذاء والماء، بل تشمل انهيارًا كاملًا للمنظومة الصحية.


تحولات الوعي الشعبي ودبلوماسية العمال










لم يقتصر تأثير ما يحدث في غزة على الساحة السياسية، بل امتد ليلامس وعي الشعوب في مختلف أنحاء العالم. فقد أعلنت شركة بروكسل للطيران أن عمال "مناولة الأمتعة" قد امتنعوا عن تحميل أمتعة على طائرة متجهة إلى إسرائيل، اعتراضًا على الرحلات الجوية إليها. هذا الفعل، الذي يُعرف بالدبلوماسية العمالية، يعكس أن المقاطعة لم تعد حكرًا على الحكومات أو المؤسسات الكبرى، بل أصبحت أداة في يد الأفراد للتعبير عن رفضهم لما يحدث. هذا التحول العميق في الوعي الشعبي، الذي يرفض تجاهل المعاناة الإنسانية، يُؤكد أننا أمام "تسونامي" من الغضب على إسرائيل لا رجعة فيه. وهو ما يُبين أن تضحيات الشعب الفلسطيني لا تذهب هدرًا، بل تؤدي إلى تغيير عميق لصالح القضية الفلسطينية في كل أنحاء العالم.



من التنديد إلى الفعل: خارطة الطريق الدولية


لا تكفي التصريحات وحدها لوقف المأساة. نيوزيلندا - بقوة موقفها - مطالبة اليوم بقيادة تحرك دولي ملموس: أولاً:  مشروع قرار في مجلس الأمن يفرض فتح معابر غزة للإغاثة تحت حماية أممية.  

ثانياً: مقاضاة نتنياهو في المحكمة الجنائية لانتهاكه اتفاقية منع الإبادة الجماعية.  

ثالثًا: مبادرة دبلوماسية عاجلة مع أستراليا وكندا وبريطانيا لتوحيد الاعتراف بفلسطين قبل نهاية 2025.  الخطوة من "الكلام" إلى "العمل" هي التي ستحول شجاعة لوكسون إلى تغيير حقيقي.


الضمير العالمي ينتفض... فهل من مجيب؟


إن ما أقدم عليه رئيس وزراء نيوزيلندا، كريستوفر لوكسون، ليس مجرد تصريح عابر، بل هو إعلان عن نهاية حقبة من الصمت والتواطؤ. إنه يمثل نقطة تحول قد تُحدث تغييرًا جذريًا في المشهد السياسي الدولي، وتدفع بدول أخرى إلى اتخاذ مواقف أكثر شجاعة. لقد بات واضحًا أن "الضمير الإنساني" الذي يُفترض أن يحكم العلاقات بين الأمم، لا يمكن أن يبقى رهينًا لحسابات المصالح أو الخوف من ردود الفعل السياسية. فمنظمة الصحة العالمية تحذر من أن الجوع وسوء التغذية يدمران القطاع، في حين أن تقرير الخارجية الأميركية نفسه يقر بأن عنف إسرائيل ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية وصل إلى مستويات غير مسبوقة. إن هذه الأدلة الدامغة، بالإضافة إلى موقف نيوزيلندا الشجاع، تؤكد أن هناك إرادة عالمية متزايدة لإنهاء هذا العبث الإنساني، وأن المطالب بوقف الحرب، وإدخال المساعدات، والاعتراف بدولة فلسطين لم تعد مجرد شعارات، بل أصبحت حتمية تاريخية لا مفر منها. إن العالم ينتظر من قادته الآن أن يتحلوا بالشجاعة التي أظهرتها نيوزيلندا، وأن يتجاوزوا مجرد الكلام إلى الفعل، فالأرواح التي تُزهق كل يوم لن تنتظرهم.


ختامًا: الضمير العالمي ينتفض... فهل يتحول غضب لوكسون إلى تحرك دولي؟









لقد قدم رئيس وزراء نيوزيلندا الدرس الأهم: الكلمات الجريئة أول الطريق، لكن الأفعال وحدها ستوقف آلة الموت. آن الأوان لأن يحذو حذوه كل من وقّع على تسونامي الاعتراف بفلسطين "أستراليا، كندا، بريطانيا"، وكل من انضم لـ"الدبلوماسية العمالية"، وكل دولة تؤمن بالعدالة. الخطوات ثلاثٌ لا مهرب منها:  

أولاً:  فتح معابر غزة الآن تحت إشراف دولي.  

ثانيًا: محاكمة نتنياهو أمام الجنائية الدولية.  

ثالثًا: اعتراف كامل بفلسطين قبل نهاية 2025.  

فلسطين لا تحتاج دموعاً... بل إرادةً توقف انتزاع آخر طفل من تحت الأنقاض.

تعليقات