القائمة الرئيسية

الصفحات

كأنّ الليل خُلق ليراقب حزني

كل مساء، حين يُسدَل ستار الضوء، ويُسكت الضجيج،
أشعر أنّ الليل لا يأتي لينام… بل ليجلس قبالتي، شاهداً صامتاً على ما لا يراه أحد.

كأنّه يعرف بدقّة متى ينكسر شيء في صدري،
كأنّه لا يحتاج إلى شرح، لا إلى تبرير،
فهو الوحيد الذي لا يندهش من أنين بلا سبب،
ولا يسألني إن كنتُ بخير.

في عتمته، لا أضطر للتمثيل،
لا أبتسم مجاملة،
ولا أتصنّع صمودًا يليق بنهارٍ مزدحم بالوجوه.
الليل يعرفني كما أنا… متعبًا، هادئًا، باكيًا أحيانًا بصوت لا يسمعه سواي.

هو لا يلومني على تكرار حزني،
ولا يسخر من وجعي القديم،
ولا يطلب مني أن "أتجاوز" كل شيء كأن شيئًا لم يكن.
هو فقط يجلس…
كظلّ حنون، يُحسن الاستماع دون أن ينطق.

في النهار، أبدو طبيعيًا.
أحمل أحاديث صغيرة، ضحكات مُختلَقة،
وأؤدي دوري كأنني لم أُرهق البارحة حتى الانطفاء.
لكن في الليل، حين يصمت كل شيء…
تتكلم روحي.

أفتح نافذتي لا كي أتنفّس هواءً بارداً،
بل كي أطمئن أن الليل لا يزال هنا،
مستعدًا لأن يُنصت،
لأن يتحمّل معي هذا الثقل الذي لا يُقال.

كأنّه حليفي القديم،
كأنّ الظلمة تفهم أكثر مما تفهمه الأضواء،
تعرف أن بعض الأوجاع لا تُعالج بالكلام،
بل بالاعتراف الصامت أن الألم موجود… ومقبول.

في حضور الليل، لا أحتاج إلى شجاعة،
فهو لا يخذل، لا يبتعد، لا يقول "لقد سمعتك من قبل".
فقط يبقى…
كأنّه يقول بصمته:
"أنا هنا، كل ليلة، حين لا يكون أحد."

الكاتب  إدريس أبورزق 

تعليقات