القائمة الرئيسية

الصفحات

أحببت ضحكة قاتلي

لم يكن موتي على يديه طعنةً صاخبة،
بل كان انطفاءً بطيئًا…
كشمعةٍ تخجل من نهايتها،
وتنكمش في الظل حتى تختفي.

لم يخنقني بيديه،
بل ألقى بثقله على قلبي حتى غفا،
ثم تركه يتعلّم كيف يتوقف… وحده.

كنت أظنه نجاةً،
لكنني كنتُ — في حكاياته — محطةً مؤقتة،
فريسة جاءت في موعدها،
فأغلق الباب وراءها… وضحك.

آه… تلك الضحكة.
كانت ماءً بارداً على عطشٍ طويل،
تروي شفتيك،
لكنها تُغرقك من الداخل.
ضحكة لا تُشبه البشر،
بل تُشبه سقوط حجرٍ في بئرٍ عميق،
يترك صدىً لا يختفي حتى وأنت نائم.

كنت أعرف…
أعرف أن كل ضحكةٍ منه تسرق من عمري شيئًا،
لكنني أحببتها رغم ذلك.
أحببت كيف تملأ المكان،
كيف تجعل الآخرين يلتفتون،
وكيف تخفي وراءها حزناً لم أره إلا أنا.

كنت الوحيدة التي لاحظت أن ضحكته تسبق حزنه بخطوة،
وتلحق بخيانته بخطوة أخرى.
كنت الوحيدة التي سمعت ذلك الارتجاف الخافت في آخرها…
الارتجاف الذي يهمس: "أنا لست لك… ولن أكون."

لم يقتلني دفعةً واحدة،
بل وزّع موتي على أيامٍ كثيرة،
حتى صار موتي يشبه الحياة،
وصرت أبتسم وأنا أتساقط.

ربما لم أُحبّه هو،
بل أحببت طريقته في إنهاء كل شيء
دون أن يترك دمًا على الأرض.
أحببت قسوته المغلفة بالعسل،
والطعنة التي جاءتني على هيئة قبلة.

اليوم،
كلما دوّى ضحكٌ عالٍ في مكانٍ مزدحم،
ألتفت بلا وعي.
أتفحص الوجوه،
أبحث عنه،
عن قاتلي،
عن الضحكة التي أعدمتني،
وأقنعتني أنني… أحيا.

الكاتب  إدريس أبورزق 

تعليقات