✍️ بقلم: د. محمد محسن رمضانمستشار الأمن السيبراني ومكافحة الجرائم الإلكترونية
🔬 اختراق الخصوصية يبدأ من الهواء
في ظل التطورات المتسارعة في الذكاء الاصطناعي وتكنولوجيا الاتصالات، برزت تقنية جديدة تثير الدهشة والقلق في آنٍ واحد: تقنية WhoFi التي تستخدم إشارات Wi-Fi لتحديد هوية الأفراد ومراقبتهم دون أي اتصال مباشر أو تصوير مرئي.
هي خطوة جريئة في عالم القياسات الحيوية غير التقليدية، تُعيد رسم حدود الخصوصية في الزمن الرقمي.
📡 التقنية التي "ترى" من خلف الجدران
تعتمد WhoFi على ما يُعرف بـ معلومات حالة القناة (CSI)، وهي البيانات الدقيقة التي تصف كيفية تغير الإشارات اللاسلكية نتيجة مرور البشر أو الأجسام من خلالها.
عندما يتحرك شخص في نطاق شبكة Wi-Fi، تحدث اضطرابات دقيقة جدًا في الإشارة اللاسلكية، وهذه الاضطرابات تختلف من شخص لآخر بناءً على خصائص الجسم وطريقة الحركة والتنفس، مما يجعل لكل شخص ما يُشبه "بصمة رقمية هوائية".
وباستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي، وخاصة الشبكات العصبية العميقة، يتم تحليل هذه الاضطرابات وتفسيرها لتحديد هوية الفرد بدقة. لا حاجة لكاميرات، ولا أجهزة استشعار، ولا حتى إضاءة… كل ما تحتاجه هو شبكة Wi-Fi فقط.
📡 كيف يمكن للـ Wi-Fi أن يُحدد الأفراد؟
تعتمد التقنية على دراسة الأنماط الفريدة التي تحدث عندما تعبر إشارات Wi-Fi أجسام البشر. فعندما يتحرك الشخص في نطاق شبكة لاسلكية، تؤثر أجسامهم على الإشارات الكهرومغناطيسية بطرق دقيقة ولكن قابلة للتمييز. هذه التأثيرات تُعرف باسم Channel State Information - CSI، ويمكن استخدامها لإنشاء "بصمة حركية" أو "توقيع لاسلكي" فريد لكل فرد.
التجارب الحديثة التي أجرتها فرق بحثية رائدة مثل من طوروا نظام WhoFi، أثبتت أن الذكاء الاصطناعي يمكنه تحليل هذه الأنماط بدقة، وتحديد الأفراد بناءً على حركتهم أو طريقة تنفسهم أو حتى شكل أجسامهم، دون الحاجة لأي كاميرات أو أجهزة استشعار مرئية.
🧠 WhoFi: تتبعك دون أن تدري
طور فريق بحثي من جامعة لا سابينزا في روما نظام WhoFi كتطور لنظام سابق يُدعى EyeFi.
التقنية أثبتت قدرتها على تحديد الأفراد بدقة تصل إلى 95.5%، حتى في بيئات مختلفة وظروف غير مثالية.
النظام لا يعتمد على أي وسيلة مرئية أو تلامسية، ويعمل بكفاءة عالية حتى في الظلام أو من خلف الجدران أو عند وجود عوائق، مما يجعله أكثر سرية وأقل لفتًا للانتباه من أنظمة المراقبة التقليدية مثل الكاميرات أو أجهزة التعرف على الوجه.
⚠️ الخصوصية في مهب الإشارات
رغم تأكيد مطوري WhoFi أن النظام لا يجمع "بيانات شخصية بالمعنى القانوني"، إلا أن القدرة على إعادة التعرف على الأشخاص بناءً على توقيعاتهم اللاسلكية الحيوية تفتح الباب أمام تساؤلات قانونية وأخلاقية حادة.
التقنية قادرة على تعقب تحركات الأشخاص، ودراسة أنماط تواجدهم، بل وربما التنبؤ بسلوكهم اليومي. فالتنقل اليومي داخل المنزل أو المكتب، مواعيد النوم والاستيقاظ، أو حتى عدد الأفراد داخل غرفة معينة… يمكن رصده وتحليله بصمت، دون أن يشعر أي شخص بأنه تحت المراقبة.
🧭 الفجوة القانونية والأخلاقية
حتى الآن، لا تُصنَّف بيانات CSI ضمن البيانات البيومترية المحمية في أغلب القوانين، مثل اللائحة العامة لحماية البيانات (GDPR) في الاتحاد الأوروبي. وهذا يعني أن الأنظمة مثل WhoFi لا تخضع حاليًا للضوابط الصارمة التي تحكم استخدام بصمات الوجه أو الأصابع.
هنا تكمُن الخطورة الحقيقية: الفراغ التشريعي قد يُستغل لخلق أدوات مراقبة متقدمة جدًا، دون أي ضوابط واضحة، مما يجعلنا نواجه احتمال تحول شبكات Wi-Fi من أدوات اتصال إلى أدوات مراقبة غير مرئية.
💡 استخدامات إيجابية… لكن بشروط
رغم المخاطر، إلا أن هناك استخدامات مشروعة لهذه التقنية، مثل:
• مراقبة كبار السن أو المرضى داخل المنزل واكتشاف السقوط أو انقطاع التنفس دون أجهزة ملتصقة بالجسد.
• أنظمة الإنذار الذكية التي تميز بين أفراد الأسرة والغرباء دون كاميرات.
• المنازل الذكية التي تستجيب تلقائيًا لمن يدخل الغرفة من خلال توقيعه اللاسلكي.
• المنشآت الحساسة التي تحتاج لرصد دقيق دون وجود بصري مباشر.
ولكن يبقى الاستخدام مرهونًا بالشفافية، والموافقة، والإطار القانوني الذي يضمن أن لا تتحول هذه الابتكارات إلى أدوات اختراق ممنهج للحياة الخاصة.
🕵️♂️ بين الابتكار والتجسس: هل نحن مستعدون؟
في وقت تنشط فيه الحكومات والشركات لتطوير تقنيات تتبع ذكية، قد يصبح من السهل يومًا ما أن تُراقب دون كاميرات، وتُلاحق دون أجهزة تتبع، فقط لأنك تمر بجوار "راوتر Wi-Fi".
المخاوف لم تعد خيالًا علميًا. العديد من الشركات الكبرى والمؤسسات الأمنية بدأت تستثمر في قدرات Wi-Fi لتطوير تقنيات مشابهة، وبعضها بالفعل يستخدم هذه الأنظمة في مشاريع بحثية أو تجريبية.
التقارير تؤكد أن تقنيات أخرى شبيهة بـ WhoFi ظهرت خلال السنوات الأخيرة، مثل:
• أنظمة تستخدم Wi-Fi لرؤية الأجسام من خلف الجدران.
• تحويل الأجهزة الذكية إلى مستشعرات حركة دون إضافات.
• استخدام إشارات Wi-Fi في قراءة الحروف أو التعرف على الأدوات داخل الأدراج.
🧠 كبسولة توعوية
• إشارات Wi-Fi التي تستخدمها لتصفح الإنترنت قد تُستخدم لرصدك وتحليل سلوكك.
• الخصوصية الرقمية أصبحت مهددة من الوسائل غير المرئية… فاحذر مما لا تراه.
• المعرفة والوعي هما أولى خطوات الدفاع عن خصوصيتك الرقمية.
📌 نصائح استراتيجية
1. توسيع تعريف البيانات البيومترية ليشمل التوقيعات اللاسلكية (CSI).
2. وضع تشريعات واضحة تنظم استخدام Wi-Fi في التتبع والمراقبة.
3. فرض الشفافية والإفصاح الإجباري عن وجود أنظمة تتبع لاسلكي في أي منشأة.
4. تطوير أدوات مضادة لحجب أو تعطيل آليات التتبع غير المرئية.
🔚 ختامًا
عصر "الاختراق الصامت" قد بدأ… لا تحتاج الكاميرا أن تُراك، فقد أصبحت إشارات الهواء تعرفك وتتابعك.
فهل نحن مستعدون لهذا الواقع؟ وهل نملك الأدوات القانونية والأخلاقية لحماية الخصوصية في زمن اللاسلكي الذكي؟
ربما حان الوقت لإعادة تعريف "الأمان الرقمي" ليشمل المراقبة الخفية، ولإعادة النظر في علاقتنا بالتكنولوجيا التي تعيش بيننا… وتعرف عنا كل شيء.
#الكبسولة_الرقمية
#الوعي_الرقمي
#الوعى_التكنولوجي
#WhoFi
#الذكاء_الاصطناعي
#الخصوصية_الرقمية
#الأمن_السيبراني
#WiFi
#المراقبة_اللاسلكية
#القياسات_الحيوية
#DigitalPrivacy
#الاختراق_الصامت
#CSI
#SmartSurveillance
#معا_لمجتمع_رقمي_آمن
#معا_لمستقبل_رقمي_آمن
#د_محمد_محسن_رمضان
تعليقات
إرسال تعليق