القائمة الرئيسية

الصفحات

لم أرحل لكنني لم أعد هنا

أنا ما زلتُ في أماكني.
أُشارك الأحاديث، أُومئ حين يُفترض بي ذلك،
أضحك في اللحظات المناسبة،
وأبدو… طبيعيًا.

لكني أعرف الحقيقة:
أنا لا زلتُ هنا… فقط بجسدي.

في داخلي، انسحبت منذ زمن.
لا أتذكر بالضبط متى حدث ذلك،
لكنني أذكر الشعور جيدًا:
كأن شيئًا ما انطفأ بهدوء،
كأن قلبي انسحب إلى مكان داخلي بعيد،
وأغلق بابه عليه.

كل شيء صار باهتًا:
الوجوه، التفاصيل، الأغاني،
حتى الأحلام القديمة التي كانت تضيء لي أيامي…
صارت مجرد مشاهد صامتة لا تهمني كثيرًا.

أتحرك بين الناس كأنني حيّ،
لكنني لا أشعر بالحياة.
أبتسم، لا لأنني سعيد،
بل لأنني لا أريد أن يطرح أحدهم سؤالًا لن أُجيد الإجابة عليه.

أنا لم أرحل،
لكنني اختفيت من الداخل…
تدريجيًا، دون ضجيج،
كما تفعل الأشياء التي تُغادر دون أن تُغلق الباب خلفها.

لا أحد لاحظ.
وهذا أصعب ما في الأمر.
أن تغيب دون أن يفتقدك أحد،
أن يتساقط قلبك بصمت،
ولا يمدّ أحدهم يده ليلتقطك.

الذين يرحلون تمامًا… يُفقدهم الوجود.
أما أنا،
فأنا باقٍ فيه،
لكنني غائب عني.

أيامي تتكرّر كنسخة باهتة من نفسها.
أعيش فقط لأنني لا أعرف ماذا أفعل غير ذلك.
أنام لأن الليل جاء،
وأستيقظ لأن النهار أطلّ،
لكنني لا أرغب في شيء…
ولا أنتظر شيئًا.

حين يسألني أحدهم:
"كيف حالك؟"
أردّ باحتراف:
"كل شيء بخير."
وأبتلع بعدها جملًا كثيرة…
عن التعب، والخواء، وعن قلبي الذي لم يعد يسكنني.

لم أعد أغضب.
ولا أشتاق كثيرًا.
ولا أفرح كما كنت.
شيء ما فيّ تبلّد… أو ربما تحصّن.

أنا لم أرحل،
لكنني لست هنا.
وهذا النوع من الغياب…
لا يُبكى عليه، لأنه لا يُرى.

الكاتب  إدريس أبورزق 

تعليقات