في لحظةٍ لا موعد لها، يمرض الجسد. ينكمش العالم من حولنا، وتختزل الأيام في ساعات من الانتظار، من أنينٍ خافتٍ أو صامت، ومن تساؤلات لا يجيب عنها أحد إلا الصبر والدعاء.
تصبح الأيام مائعة، غير محددة، تتأرجح بين أمل وخوف، بين جرعة دواء ونتائج فحص، بين زيارة طبيب وذكريات الصحة الغابرة. كل شيء يُعاد تعريفه. السرير لم يعد مكان الراحة، بل ساحة مقاومة. الصباحات لا تبتدئ بالقهوة أو ضوء الشمس، بل بالألم أو القياس، أو حتى دعوة سرية بين المريض وربّه: "يا الله، كن معي."
في زمن المرض، تتغير الأولويات. تلك المشاريع التي كانت تُخطط، وتلك الرحلات التي تأجلت، وتلك الإنجازات التي كنا نلهث لها... كلها تصبح هامشًا على صفحة الحياة. أما المتن، فهو لحظة راحة، تنفّسٍ بلا ألم، قدرةٌ على المشي، على الابتسام، على النوم دون وسادة من وجع.
ويبدأ القلب بالحديث، حين يعجز الجسد. يبدأ بالتضرع، بالاعتراف، بالندم أحيانًا، وبالرجاء دائمًا. تصبح "اللهم اشفِني" ليست عبارةً تُقال، بل حياةٌ تُختصر، واحتياجٌ صادقٌ يتسلّل من بين نبضاتٍ خافتة.
ومن عُمق الألم، يولد تأملٌ عظيم: كيف كنّا نغفل عن نعمٍ هائلة؟ عن صحةٍ كنا نتصرف فيها بغير اكتراث؟ كيف كان جسدنا يسير دون شكوى ونحن لا نكترث؟! فنتعلّم، ونتواضع، ونعود – إن أذن الله – أقرب، أصفى، وأشدّ حمدًا.
اللهم لا تجعل المرض لنا سجنًا، بل مدرسة. ولا تجعل الألم كسرًا، بل يقظة. واشفِ كل مريضٍ مسلم، صغيرًا كان أو كبيرًا، ظاهِر الألم أم مُستتره، وامنح الجميع نعمة الصحة، تلك النعمة التي لا يُقارن بها مالٌ ولا جاه. ارزقنا شكرها إذا أُعطيت، وصبرها إن افتُقدت، وارزقنا يقينًا بأنك الشافي، الذي إذا أراد قال له كن… فيكون.
تعليقات
إرسال تعليق