كتب : الكاتب الصحفي والناقد الفني عمر ماهر
انفراد خاص: محمد صبحي يُعيد الاعتراف التاريخي بسيمون إلى الواجهة… "تلميذتي ونجمتي المفضّلة" تشعل ذاكرة المسرح من جديد
بعد ست سنوات من الصمت... تصريح محمد صبحي عن سيمون يُشعل مواقع التواصل: "هي نجمتي المفضلة في المسرح بتاعي"
المعلم وتلميذته... كيف صنعت سيمون مجدها المسرحي من قلب مدرسة محمد صبحي؟
حصريًا: سيمون تلمع من جديد بتصريح نادر من محمد صبحي… "اختياري لها كان دهشة وفخر"
حين يشهد العبقري: "سيمون ليست فقط نجمتي المفضّلة… بل صوت المسرح الأنثوي في جيله الذهبي"
عودة قوية لتصريح مسرحي لا يُنسى... محمد صبحي يروي سر اختياره لسيمون رغم دهشة الجميع
بين التقدير الفني والحب المسرحي... سيمون تحصد وسام محمد صبحي بعد سنوات: "هي فنانة غير عادية"
من "مش نظرة وابتسامة" إلى "لعبة الست": سيمون تكتب تاريخًا مسرحيًا بلقب صبحي الأغلى
تصريح أعاد صياغة ذاكرة جيل: محمد صبحي عن سيمون "أدهشتني منذ الكليب... وبهرتني على الخشبة"
في زمنٍ تتبدّل فيه الأذواق وتتزاحم فيه الوجوه على شاشات العبور السريع، يظلّ الفن الحقيقيّ كالذهب الخالص لا يخضع للتآكل، ولا تعصف به رياح اللحظة. وبينما يسطع نجم هنا ويخبو هناك، يبقى المسرح بوابة الخلود الأولى، ومنبراً لا يقف عليه سوى أولئك الذين يعرفون معنى الرسالة، وقدسية الكلمة، وحقيقة الوقوف أمام جمهور لا يُخدع بسهولة. من هذا الأفق المترف بالمعنى والذاكرة، عاد الفنان الكبير والمعلّم المسرحي الفذ محمد صبحي، ليُطلق تصريحًا قديماً في مضمونه، جديداً في أثره، يعيدنا إلى واحدة من أجمل حكايات المسرح العربي، حين قال بكل فخر: "سيمون... تلميذتي ونجمتي المفضّلة على خشبة المسرح بتاعي".
تصريح قد يُختزل في كلمات قليلة، لكنه في مضمونه اعتراف نادر، وشهادة تُكتب بماء التجربة والوفاء، إذ أن يُطلِق محمد صبحي – صاحب المدرسة الفكرية المسرحية الرفيعة – على فنانة من الجيل التالي لقب "تلميذتي"، فهذا يعني أنها لم تكن مجرد ممثلة عابرة في أحد العروض، بل كانت جزءًا من مشروعه الفني، دخلت محرابه المسرحي، وتشرّبت من مفاهيمه الصارمة في الأداء، والالتزام، والإيقاع، والتنفس، والانفعال، والرسالة. أما أن يُضيف "نجمتي المفضلة"، فهنا تبلغ الجملة ذروتها من التقدير، إذ يتجاوز الحديث الأطر المهنية، ليصل إلى مقام نادر من الإعجاب والانبهار.
ولم تكن إشادة صبحي بسيمون وليدة لحظة آنية أو صدىً لنجاح عابر، بل كشف في لقاءاته أنه أعجب بها منذ أوّل ظهور لها في فيديو كليب "مش نظرة وابتسامة"، إذ قال: "أفكار الكليب كانت غريبة ومدهشة، فيها حداثة، فيها رؤية". هذه العبارة تُظهر بوضوح أن عينه الفنية لم تلتقط فقط صوتًا جميلاً أو شكلاً لافتًا، بل عقلًا مبدعًا، وروحًا فنية تبحث عن المختلف. ومن هنا، لم يكن غريبًا أن يُراهن عليها ويختارها بطلة لعدد من أهم أعماله المسرحية، رغم دهشة الوسط الفني وقتها. وقال صبحي: "الكل انبهر باختياري إلها، بس أنا شفت إللي غيري ما شاف".
وقد أثبتت سيمون – بكل اقتدار – أنها لا تنتمي إلى التصنيفات السهلة. فهي ليست فقط نجمة غناء، بل فنانة شاملة، تعرف كيف تسيطر على الخشبة، وكيف توصل الفكرة والمشاعر بجسدها وصوتها ونظرتها، تمامًا كما تتطلب المدرسة الصبحيّة في الأداء المسرحي. كان دخولها عالم المسرح في تجربة "كارمن"، تجربة صعبة بكل المقاييس، حيث وقفت أمام محمد صبحي، لا كمبتدئة، بل كممثلة مستعدة لخوض التحدي، وقدّمت دورًا نسويًا قويًا ينطق بلسان القهر والرغبة في الحرية، لتُعيد صياغة صورة "كارمن" في إطار عربي معاصر، مليء بالشحنة الاجتماعية والسياسية.
ثم جاء "سكة السلامة 2000"، لتُظهر سيمون بوجه درامي يحمل التحولات النفسية للإنسان التائه، الباحث عن بوصلة في صحراء روحية. كانت تؤدي دور امرأة تنهار أمام تناقضات الإنسان، وتُظهر هشاشته حين يواجه ذاته. وفي "لعبة الست"، بلغت سيمون قمة نضجها المسرحي، حين جسدت شخصية المرأة الطموحة، الذكية، الطيّبة والشرسة في آن. أدت شخصية مركبة، تتنقل بين الحب والجشع، بين الإخلاص والخداع، وقدّمتها بحساسية عالية، جعلت المشاهد يتعاطف معها رغم تقلباتها، ويغضب منها رغم صدق دوافعها.
وتجدر الإشارة إلى أن التعاون بين صبحي وسيمون لم يكن مجرد اتفاق عمل، بل علاقة فكرية وإنسانية قائمة على التقدير العميق. صبحي كان يرى فيها موهبة كامنة تستحق الإضاءة، وسيمون كانت ترى فيه أستاذًا يثق بها، ويراهن عليها، ويمنحها الفرصة الحقيقية للظهور كفنانة مسرحية بحق، لا مجرد مطربة تخوض تجربة تمثيل مؤقتة.
وقد علّق الجمهور على هذه الأعمال بكثير من الحب والحنين، إذ بقيت مشاهد سيمون على المسرح عالقة في الذاكرة، ليس من باب النوستالجيا فقط، بل لأنها حقيقية، نابضة، مليئة بالعاطفة والفكر. هذا ما جعل تصريح صبحي يعود اليوم ليتصدر المشهد الرقمي من جديد، بعد مرور أكثر من ست سنوات على صدوره. فالناس تشتاق إلى الصدق، إلى كلمات لا تحمل خلفها مجاملات أو دوافع تسويقية، بل تأتي من قلب فنان يعرف كيف يُنصف الموهبة حين يراها.
إنّ هذا الاعتراف، في ظاهره مجرّد جملة، لكنه في حقيقته تكريم. وسيمون، التي شقّت طريقها في عالم الموسيقى بنجاحات مبكّرة، استطاعت أن تُثبت أنّها ممثلة تُجيد الوقوف بثقة وسط عمالقة المسرح، وأنها قادرة على أداء الشخصية المعقّدة والمتناقضة، دون أن تفقد بساطتها وجمالها.
ويبقى السؤال الأهم: هل سنشهد يومًا تعاونًا جديدًا بين صبحي وسيمون؟ هل يعودان معًا إلى المسرح، في عمل يواكب العصر ويحمل بصمتهما الفكرية والفنية؟ لا شكّ أنّ اللقاء، إن حدث، سيكون من أبرز الأحداث المسرحية، فالتناغم بينهما ليس فنيًا فقط، بل إنسانيًا، يُغذّيه احترام متبادل، ورؤية مشتركة بأنّ المسرح ليس تسلية، بل أداة تنوير.
في الختام، نُدرك أن المسرح الحقيقي لا يُقاس بعدد التصفيقات، بل بعمق الأثر الذي يتركه في النفوس. وسيمون، تلك الفنانة التي خرجت من عباءة الموسيقى لتدخل محراب التمثيل المسرحي، تركت بصمة لن تمحوها السنوات، لأنها كانت صادقة، جريئة، حقيقية. أما محمد صبحي، فلا يزال ذلك المعلم الذي يرى في كل فنان مشروعاً قابلاً للخلود، إذا ما اجتهد وتعلّم وآمن بقيمة ما يقدّم.
وهكذا، تبقى كلمات صبحي عنها: "سيمون... نجمتي المفضّلة في المسرح بتاعي" وساماً فنيًا وإنسانيًا، يُتوّج مسيرة فنانة آمنت بالمسرح، فآمن بها المسرح.
تعليقات
إرسال تعليق