متابعة الكاتب الصحفي والناقد الفني عمر ماهر
في تصريح خاص يُعدّ الأول من نوعه، تحدّث النجم الأردني الكبير منذر رياحنه عن تفاصيل مشاركته الاستثنائية في المسلسل الدرامي المنتظر "أعوام الظلام"، مؤكّدًا أن العمل يمثل بالنسبة له تجربة شعورية لا تُشبه شيئًا مما قدمه سابقًا، وأن الشخصية التي يجسّدها ليست مجرد دور عابر، بل حالة إنسانية عاشها وتلبّسته منذ لحظة قراءة النص، وحتى اللحظات التي وقف فيها أمام الكاميرا، مجرّدًا من الزيف، ومشحونًا بالصدق.
رياحنه، الذي عرفه الجمهور العربي في أدوار ملحمية وإنسانية كثيرة، أبرزها دوره في "ماذا لو"، حيث جسّد شخصية مريض السرطان في عمل مستوحى من معاناة والده الحقيقي مع المرض، يعود اليوم ليتوغّل في قصة واقعية جديدة، مأخوذة عن وقائع لم تُعرض من قبل، وقائع صادمة وحقيقية تُجسَّد لأول مرة على الشاشة، في عمل يحمل توقيع الكاتبة الكبيرة مريم نعوم، وإخراج محمد سلامة، وإنتاج ضخم بين مصر والكويت.
شخصية تائهة تبحث عن الضوء
وعن ملامح الشخصية التي يؤديها، قال رياحنه: "أجسّد في أعوام الظلام شخصية قريبة من رجل واجه الخذلان مرارًا، وشهد كيف يمكن للظلم أن يلتهم الإنسان من الداخل دون أن يُترك له خيار. الشخصية مليئة بالتفاصيل النفسية
المتشابكة، ومبنية على تناقضات شديدة: بين القوة والضعف، وبين الهدوء والثورة، وبين الصمت والصراخ. إنها شخصية تمشي على الحافة، وتطلب من الممثل أن يكون جسدًا وروحًا معًا، لا مجرد مؤدٍّ لحوار."
وأضاف: "هذا الدور ليس تجربة تمثيلية عادية بالنسبة لي، بل هو اختبار وجداني كامل، لأن النص يتسلّل مباشرة إلى عمق الإنسان، ويحاكي ألمه وارتباكه في زمن صعب، فيه كل شيء قابل للتشويه، حتى الحق."
المخرج محمد سلامة: عبقرية تُعيد تعريف الرؤية
وفي حديثه عن المخرج محمد سلامة، لم يُخفِ منذر رياحنه إعجابه الشديد بطريقة إدارة العمل، واصفًا إياه بـ"العبقري الذكي"، حيث قال:
"محمد سلامة ليس مخرجًا تقليديًا، بل هو فنان يرى المشهد بعين ثالثة، تُدير الكاميرا كأنها جزء من نبض الشخصية، لا أداة تصوير فقط. هو يعرف متى يصمت، ومتى يُكثّف، ومتى يترك للممثل مساحة كي ينفجر بالشعور. كل لحظة معه هي اكتشاف، وكل مشهد نُصوّره معه يصبح لحظة لا تُنسى."
الكاتبة مريم نعوم: نصّ فيه الحياة… والموت
أما عن المؤلفة مريم نعوم، فقال رياحنه بتقدير واضح:
"مريم نعوم مختلفة بكل ما للكلمة من معنى. نصّها ليس ورقًا يُقرأ، بل نفسًا يُشمّ. هي تكتب من قلب الناس، وتحفر في أعماق المجتمع بذكاء وشفافية. لديها قدرة مذهلة على أن تُبقيك معلقًا بين جملة وأخرى، بين صمت وآخر، وتعرف كيف تزرع الشك في يقينك، ثم تجعلك تبكي على تفصيلة صغيرة لأنك اكتشفت أنها تشبهك. باختصار، هي كاتبة شاطرة جدًا… وفريدة."
حبّه العميق لمصر والكويت
وفي لفتة إنسانية تعكس طبيعة رياحنه المتواضعة والمحبّة، أعرب عن حبه الخاص للشعبين المصري والكويتي، قائلاً:
"لا يمكنني أن أصف مدى امتناني للشعب المصري الذي أعتبره شعبًا استثنائيًا في استقباله وكرمه وروحه. مصر ليست فقط بلدًا يصنع الفن، بل بلد يحتضن الفنانين. وكل مرة أعمل فيها على أرضها، أشعر أنني أعود إلى البيت."
وتابع: "أما الكويت، فهي ليست فقط موقع تصوير للمسلسل، بل وطن ثاني بكل ما للكلمة من معنى. كُنت في غاية التأثر بروح التعاون التي وجدتها هناك، والشعب الكويتي يمتلك مزيجًا نادرًا من الطيبة والاحترام والعمق الثقافي. أنا أحب الكويت… وسعيد بكل لحظة فيها."
طيف من النجوم في لوحة واحدة
ويشارك رياحنه البطولة في هذا العمل مجموعة من نجوم العالم العربي، في مقدمتهم حمد العماني، خالد البريكي، فيصل العميري، إيمان الحسيني، شوق الهادي، روان العلي، محمد الحداد، عبد الله زيادة، مشاري المجبل، ومن البحرين أحمد سعيد، ومن مصر الفنانة الكبيرة انتصار، وهو ما يعطي العمل بُعدًا عربيًا مشتركًا، ويمنحه نكهة تجمع بين المدارس الفنية المتنوعة، والنبض الوجداني الموحّد.
من "سيوف العرب" إلى "أعوام الظلام": انتقال من المجد إلى الندبة
ويأتي "أعوام الظلام" بعد النجاح الكبير الذي حققه رياحنه في مسلسل "سيوف العرب"، المعروض حاليًا على منصة شاهد وتلفزيون قطر، حيث جسّد شخصية يوسف بن تاشفين، أحد أبرز القادة التاريخيين، كما أدى في حلقة "سقوط بغداد" دور صاحب المكتبة، في رمزية عميقة لانهيار العقل والمعرفة. وقد حقق العمل نجاحًا جماهيريًا ونقديًا، وأعاد تثبيت اسم رياحنه في الصفوف الأولى من صُنّاع الدراما التاريخية.
ختامًا…
"أعوام الظلام" ليس مجرد مسلسل، بل هو صدى لوجع مشترك، ومرايا لقلوب لا تزال تنبض رغم العتمة. هو شهادة فنية صادقة، يؤكد من خلالها منذر رياحنه أن التمثيل لا يُقاس بالجوائز، بل بالأثر الذي يتركه في النفس. ومن خلال هذا العمل، يقدم رياحنه دورًا لا يُنسى، وكلمات من القلب، ورسالة حب واحترام لكل من شارك، ولكل من سيشاهد.
فهل ستكون "أعوام الظلام" العمل الذي يهزّنا من الداخل ويُعيدنا إلى إنسانيتنا؟
كل المؤشرات تقول: نعم.
والنجم الذي قال: "هذا الدور وجدني وسكن قلبي"، لن يُخيّب هذا القلب أبدًا.
تعليقات
إرسال تعليق