القائمة الرئيسية

الصفحات

كلانا كان ينتظر الآخر أن يبدأ

لم يحدث شيء.

لا كلمة.
لا خطوة أولى.
لا اعتراف يُعلق في الهواء.

كل ما بينهما كان
نظراتٍ تتقاطع... ثم تهرب.
صمتًا طويلًا مشحونًا بما لا يُقال،
ووجلينِ لا يعرفان:
هل هما في بداية شيء؟
أم في نهايته قبل أن يبدأ؟

كانا يلتقيان كثيرًا…
بمحض الصدفة أحيانًا،
وبمحض التمنّي غالبًا.
هي تعرف موعد مروره،
وهو يعرف كيف يسرق نظرة من بعيد.

كان يعرف أنها تنتظر شيئًا،
وكانت تعرف أنه يفهم.
لكن لا أحد قال أي شيء.

كأنهما خشيا أن يفسد الصمت ما ظلّ نقيًا… على الأقل في الخيال.

كل منهما كان ينتظر الآخر أن يبدأ.
كلٌ حمل العبء في داخله،
وقال: "لو كان يعنيها الأمر… لقالت."
وقالت هي: "لو كان صادقًا… لتكلم."

وهكذا…
بقيا واقفَين على طرفي الجسر،
لا أحد خطا.

حتى جاءت اللحظة التي غادر فيها كلٌ منهما الطريق،
كما جاء تمامًا:
بصمت.

لم يكن هناك وداع،
ولا خلاف،
ولا سبب واضح.
فقط انسحاب ناعم،
يشبه تلاشي الأغنية عند نهايتها،
تتوقف فجأة… وتبقى أصداؤها في القلب.

اليوم،
يراها أحيانًا في الأماكن التي كانت مألوفة،
ويُشيح بنظره كأنها غريبة.
ترى صورته بالصدفة،
ويختنق في صدرها شيء… لا اسم له.

لا أحد يعرف ما الذي مات بينهما،
لأن شيئًا لم يولد أصلًا.
كان هناك احتمال، فقط احتمال جميل،
لكنه ضاع… لأن لا أحد نطق باسمه.

الوجع الحقيقي؟
لم يكن في الفقد.
بل في الانتظار الصامت،
في المسافة الصغيرة التي كانت كفيلة ببدء شيء…
لكن لا أحد اقترب.

اليوم، يتذكر كلٌ منهما الآخر
لا كذكرى مؤلمة،
بل كــ
"حكاية لم تحدث."

وفي قلب كلٍ منهما،
تعيش جملة واحدة، لا تموت:

"كلانا كان ينتظر الآخر أن يبدأ…"
لكن لا أحد بدأ.
ولا أحد سيبدأ الآن.

الكاتب  إدريس أبورزق 

تعليقات