في قلب بستانٍ مترامي الأطراف، تعالت الأشواك كأنها حراسٌ لصحراءٍ لا تعرف الرحمة. بين حُمرة الصبار وغباره، تفتّحت وردةٌ وحيدةٌ، ناعمة الملمس، نقيّة السريرة، تظن أنها وُلدت في موطنها... فالخضرة من حولها، والأرضُ واحدة.
لكن الأيام كانت تمضي بلا حنوّ، والشمس لا تُغمض لها طرفًا، والريح تُجاذبها كأنها دخيلة. كانت تنزف عطراً وهي تبتسم، تُخفي وخز الشوك كي لا تُزعج العالم من حولها. لم تدرك أن هذا البستان لا يعترف بالجمال الهشّ، ولا يحتفي بالعطر الخفيف، بل يقدّس القساوة ويحرس الصمت.
وبين توالي الأوجاع، بدأت الوردة تفقد تمايلها، تنحني رويدًا، تضعف جذورها، تبهت ألوانها... وكلما حاولت التغلّف بالقوة، وخزها الواقع بقسوته:
"أنتِ غريبة، لا تُشبهيننا، ولا ننتمي إليكِ."
حينها، وفي لحظةِ صدقٍ مع الذات، همست لنفسها:
"أيتها البريئة... لقد أوشكتِ على الذبول، فلا تنتظري خلاصًا يأتي من أرضٍ لا تعرفكِ. غادري، انتزعي نفسكِ من تربتكِ. فللعالم عالمٌ يشبهكِ... حيث لا تُقاس النعومة بالضعف، ولا تُستبدل الرقة بالنسيان."
وخطت الوردة تلك الخطوة التي أخّرتها كثيرًا، حملت ما بقي من عطرها، وتابعت بحثها عن أرضٍ لا تفرض عليها الصبر كنجاة، بل تحتضنها طوعًا وتزهر بها الحياة من جديد.
لأن بعض الأماكن، مهما بدت مألوفة، تخنق أرواحنا الوديعة، وبعض الانتماءات تُزرع بالخطأ... وليس الهروب إلا إنقاذًا حين يكون البقاء موتًا بطيئًا.
تعليقات
إرسال تعليق