هنا نابل ، من قلب الجمهورية التونسية ...
أكتب إليكم لا من خلف شاشة مضيئة ، بل من خلف جدار الوجع الذي صنعه عالم الإنترنت وشبكة التواصل الإجتماعي ...
جربوا ، فقط جربوا ، أن تبتعدوا لفترة وجيزة عن هذا العالم الإفتراضي العجيب ... عن الفيسبوك ، عن الإنستغرام ، عن الماسنجر ، عن التويتر وعن الدردشات التي لا تنتهي ... ستكتشفون ببساطة أن لا شيء فاتكم هناك
لكنكم ستصدمون حين تدركون كم فاتكم هنا ... في عالمكم الحقيقي .
كبرت أمهاتكم وأنتم منشغلون عن تفاصيل وجوههن
غادر أحبابكم دون أن تودعوهم كما يليق بالوداع ...
ضاعت منكم فرص كثيرة ، ومرت لحظات لا تعوض ... لا لأنكم كنتم مشغولين ، بل لأن هواتفكم شغلتكم
موجعة هذه الحقيقة لكنها الحقيقة ، بلا زينة أو رتوش
أصبح الإنترنت أفيون العصر ... مخدر لا نستطيع مقاومته ، سلب منا حياتنا الحقيقية وزج بنا في عالم إفتراضيً بائس
أضاع منا راحة البال ، وصفاء القلب ، وطهارة الفكر ، وبراءة الأطفال
علمنا أن نحدق في شاشات مضيئة ، بدل أن نحدق في وجوه أمهاتنا وآبائنا ، أن نطالع صورهم بدل أن نطالع ملامحهم
سيأتي يوم...
نحاول أن نتذكر تفاصيل من نحب ، فلا نجدها واضحة
سيأتي يوم نرغب فيه أن نلعب ، فنجد أننا كبرنا وشاخت أرواحنا ...
سيأتي يوم نبحث فيه عن الأصدقاء ، فنجدهم قد رحلوا ونحن كنا مشغولين عنهم برسائل لم تحمل يوما الدفء الذي تحمله لقاءاتهم .
كم من ليالٍ سهرناها بين الدردشات ، فيسبوك ، واتس أب ، ماسنجر ،... نضحك هنا ، ونمزح هناك ... حتى يسقط الجفن مغلوبا على أمره
لكن ... أين قيام الليل ؟ أين ذكر الله ؟ أين الصلوات في وقتها ؟ أين الخشوع الذي يطهّر القلب ؟ أين الحضور الحقيقي في حياتنا ؟
تخيلوا معي
لو أننا فقط نصف الوقت الذي نقضيه على هواتفنا خصصناه لقراءة القرآن ... كيف كان سيكون حال قلوبنا ؟ أرواحنا ؟ كيف كانت ستشرق وجوهنا بنور الذكر بدل أضواء الشاشات الباردة ؟
الأمر لا يحتاج إلى تنظير ، بل إلى وقفة مع النفس ، مع القلب الذي يوشك أن يصدي ... مع العمر الذي يمضي دون أن ينتظر
فالرحيل لا يستأذن ...
والذاكرة التي لا نغذيها بالحب الحقيقي ستذبل ...
والأيام التي تذهب لا تعود ...
تعليقات
إرسال تعليق