القائمة الرئيسية

الصفحات

حين يُصبح الحنان عبئًا

لم تكن مشكلتها أنها حنونة…
بل أنها كانت أكثر من اللازم.

تعرف كيف تُصغي حتى عندما تتكسّر من الداخل.
تمنح الآخرين مساحة في قلبها،
أوسع مما منحت لنفسها يومًا.
تسأل: "هل أنت بخير؟"
وتقصدها بكل صدق،
حتى حين لا أحد يسألها السؤال نفسه.

كل الذين مرّوا بها…
أحبّوا ذلك الدفء الذي يسكن صوتها،
وهدوءها الذي يشبه حضنًا مفتوحًا.
لكن لا أحد سأل يومًا:
هل هذا الدفء لا يحترق؟
هل هذا الحضن لا يرتجف ليلًا من البرد؟

كانوا يأتونها حين يثقلهم العالم،
يضعون أوجاعهم في صدرها،
ثم يمضون…
خفافًا، هادئين،
ويتركونها هناك،
تُلملم ما تبقّى منها… وحدها.

كان الحنان فيها يشبه الشمس:
تُضيء للجميع،
لكنها تتآكل بصمت.

وفي كل مرة تُجرَّح فيها،
كانت تغفر… لا لأنهم يستحقّون،
بل لأنها لا تعرف كيف تؤذي أحدًا،
حتى من أوجعها.

ثم، شيئًا فشيئًا، أدركت الحقيقة القاسية:
الحنان الذي لا يُقابَل… يُرهق.
الاحتواء الذي لا يُحتوى… يُطفئ.

وفي إحدى الليالي، حين لم يبقَ منها شيء لتُعطيه،
احتضنت نفسها كمن يعتذر لنفسه بعد عمر من التجاهل،
وهمست:

 "لا بأس إن أغلقتُ بابي هذه المرة…
لا لأنني قاسية،
بل لأن قلبي أنهكته الطيبة التي لم تجد طيّبًا مثلها."

الكاتب  إدريس أبورزق

تعليقات