الكاتب الصحفي والناقد الفني عمر ماهر
حين تُفتح أبواب التاريخ بأصوات السيوف لا الأقلام، وتُروى الحكاية بنبض الفروسية لا بالكلمات الرقيقة، يظهر عمل درامي لا يُشبه سواه، بل يقلب معايير المشاهدة، ويكسر رتابة الشاشة، ويُعيد للأذهان السؤال الأزلي: هل نحن أحفاد المجد… أم ضحاياه؟ في الحلقتين الخامسة والسادسة من المسلسل التاريخي الملحمي "سيوف العرب"، انفجرت الدهشة على وجوه المتابعين كما لو كانت صاعقة من عصرٍ مضى، لتُسجَّل نسب مشاهدة غير مسبوقة، وتتصدر المنصات العربية من المحيط إلى الخليج، بدءاً من دول الخليج العربي مروراً بمصر وبلاد الشام، وصولاً إلى عمق المغرب العربي الذي تنتمي إليه حكاية القائد العظيم يوسف بن تاشفين، الذي يُجسده الفنان الأردني المتألق منذر رياحنه، في واحد من أعمق الأدوار وأكثرها تأثيرًا في ذاكرة الدراما العربية الحديثة.
هذه الحلقة لم تكن مجرد تطوّر درامي في مسار العمل، بل كانت حدثًا بصريًا ومضمونيًا، يُرسّخ المسلسل كعلامة فارقة في الإنتاج العربي، لا على مستوى الحبكة فحسب، بل من حيث الأداء، والرؤية الإخراجية المذهلة للمخرج سامر جبر، والإنتاج الفخم للمؤسسة القطرية للإعلام، التي أثبتت أن التاريخ ليس مجرد سرد، بل هو كائن حي إذا أحسنت بناءه، نهض من رماده، وتحدث بكل اللغات.
في الحلقتين الخامسة والسادسة، شاهدنا يوسف بن تاشفين ليس فقط كقائد عسكري، بل كصوفي محارب، كمُفكّر في درع، وكرجل دولة في عباءة فارس. أداؤه اتّسم بنوع من الحزم الساكن، والقوة الناطقة بالصمت، كأنما رياحنه لم يُمثّل، بل استُدعي من زمن المرابطين ليُكمل دوره من جديد. ظهوره في لحظات الخلاف، ثم التوحيد، ثم القرار بمواجهة الطوائف، لم يكن أداءً دراميًا تقليديًا، بل كان "حضورًا"، بكل ما تحمله الكلمة من هيبة تاريخية.
وعلى ضفاف تلك المشاهد الغامرة، وبين سطور الحوارات المشحونة بالتاريخ والسياسة والروح، نبتت في عقول المتابعين ألغاز... ليست كباقي الألغاز، بل أسئلة وُلدت من رحم الحكاية، تخاطب العارفين، وتختبر العقول، وتستفز الحدس، وكأن العمل يدعونا لا إلى المشاهدة فقط، بل إلى المشاركة، إلى التورط المعرفي، وإلى الغوص في ما وراء الخطّ الدرامي المرئي.
ألغاز معلّقة بين زمنين… من يحلّها؟
لا تتوقع أن تجد إجاباتك هنا مباشرة، لأن هذه الألغاز صيغت على هيئة مفاتيح لأبواب مغلقة، لا تُفتح إلا لمن يملك نور المعرفة وحدّة البصيرة.
في إحدى المشاهد السرّية في الحلقة الخامسة، يهمس أحد القادة في أذن يوسف بن تاشفين قائلاً: "المدينة التي تسقط بلا مقاومة، لا تحتاج إلى جيوش، بل إلى دعاء". ما اسم هذه المدينة التي فُتحت دون قتال، ويقال إن أهلها بايعوا يوسف على شرط واحد لم يُذكر صراحة؟
في اجتماعٍ ناري عُقد في بداية الحلقة السادسة، يلوّح يوسف بسيف قديم، ويقال إنه يعود إلى رجلٍ قاتل في معركة فاصلة قبل قرنين من زمن المرابطين. فهل كان ذلك السيف حقيقيًا؟ ولمن كان يعود؟ وهل الرسالة المشفرة على مقبضه تعني شيئًا؟
في لحظة هدوء نادرة، يُرى يوسف يتصفح مخطوطة جلدية على سطح قلعة مهجورة، يبتسم ثم يتمتم: "إنها ليست النهاية، بل البدايات الحقيقية تُكتب هنا". ما هي تلك المخطوطة؟ ومن صاحبها الحقيقي؟ ولماذا دُفنت في تلك القلعة؟
الحلقة السادسة تُنهي بمشهد رمزي: طفل صغير يرسم راية سوداء على الرمال، ويكتب تحتها كلمة "الوعد". من هو هذا الطفل؟ وهل هو رمز لقادمٍ مجهول؟ أم أنه تجسيد لطفل تاريخي حمل رسالة سياسية في تلك الحقبة؟
يقال إن الحلقة الخامسة ضمّت مشهدًا مشفّرًا لا يظهر فيه أي حوار، بل موسيقى غامضة ونظرات متبادلة بين ثلاثة رجال. الكاميرا لا تذكر أسماءهم، لكن الأزياء والتفاصيل تشير إلى خلفياتهم المختلفة. هل يمثلون المذاهب الثلاثة في الأندلس؟ أم أنهم مجرد رموز لِصِراعٍ خفي لم يُعلن بعد؟
ألغاز لها حل… ولكن لمن يملك البصيرة
ولأن بعض الغموض يحتاج إلى ضوء، سنكشف لك بعض الأجوبة التي وردت في الحلقات ولكن بذكاءٍ طُمر في عمق المشهد:
من هو القائد الأوروبي الذي وصف يوسف بن تاشفين بـ"الشيطان المغاربي"؟
الإجابة: ألفونسو السادس، ملك قشتالة، الذي واجهه يوسف في معركة الزلاقة.
ما المدينة التي دُفن فيها يوسف بن تاشفين بعد أن أوصى بألا يُبنى له ضريح؟
الإجابة: مراكش.
في إحدى الحلقات، يظهر كتاب يتم تمريره بين ثلاثة علماء، ويحمل توقيعًا غير واضح. لكن مضمونه يدعو للوحدة بين المذاهب. ما اسم هذا الكتاب؟
الإجابة: "رسالة في فضل الجماعة" — نسبة لواحد من فقهاء تلمسان.
بين عادل الحوار وصمت اللغز
ما يصنع قوة "سيوف العرب" ليس فقط التصوير البديع، ولا الإخراج المدروس، ولا الأداء الباذخ من قاماتٍ مثل سلوم حداد وباسم ياخور وجمال سليمان، بل في قدرته على خلق تواطؤ عميق بين العمل والمشاهد، وكأن كل مشهد لا يُكتمل إلا إذا سأل المتلقي: "هل فهمتَ الرسالة؟"، وكل جملة لا تُقال إلا ليُعاد تفسيرها على ضوء التاريخ لا على ضوء الإضاءة.
المسلسل لا يمنحك الحقيقة، بل يتركها معلّقة في الفراغ، تدور في رأسك كدوامة، تخرج منها لتُدرك أن "التاريخ لا يبوح بأسراره لمن يكتفي بالمشاهدة".
في الختام...
الحلقتان الخامسة والسادسة من "سيوف العرب" ليستا مجرد ذروة درامية، بل هما بوابة واسعة على أسئلة الماضي، تحديات الحاضر، وسؤال الهوية الذي لا ينتهي. يوسف بن تاشفين لم يُقدَّم في المسلسل كبطل ملحمي فقط، بل كقضية، كرمز، كمنارة لمن أراد أن يفهم معنى القيادة، وأخلاق الحرب، وفن التوحيد.
فهل أنتم مستعدّون للحلقة السابعة؟
قبل أن تُشاهدها… أجب عن الألغاز، أو دَع قلبك يواصل البحث في متاهة المجد.
ففي "سيوف العرب" كل شيءٍ له وجهان: السيف… والسرّ.
تعليقات
إرسال تعليق