القائمة الرئيسية

الصفحات

عند عتبة الغياب

حينما يسدل الليل ستاره وتغفو المدينة تحت أضواء خافتة... تبدأ قصّة لا تُروى إلا في عيون من ينتظرون دفئًا لا يأتي، ونداءً لا يُجاب.  
في زاوية صغيرة، حيث لا تصل خطوات العابرين، يجلس يتيمٌ يحتضن فراغًا واسعًا؛ ليس لبرودة الطقس فحسب، بل لبرودة الشعور، لفراغ الحضن، ولصوتٍ كان يُرتّل له قبل النوم دعاءً يحمل الأمان.
الطعام ذاته، الذي تسكب الأمّهات في أطباق أولادهنّ كأنه احتفالٌ بالحنان، يصبح لدى اليتيم أمنية عالقة في سقف الخيال.  
هو لا يجوع إلى الخبز فقط، بل إلى عين تسأله: "هل شبعت؟"، ويدٍ تمسح على شعره إن بكى، وصدرٍ يشكو إليه الحياة دون أن يُلام.
الناس يمرّون من حوله، بعضهم يضع شيئًا في يده، وكأنهم أتمّوا فرضًا لا يُكمل العبادة، ولا يُطفئ الوحشة.  
فاليتيم لا يحتاج إلى هديةٍ عابرة بقدر ما يحتاج إلى من يقيم في عالمه، من يقول له: "لست وحدك، فأنا هاهنا، لست ظلًا في الطريق، أنت إنسان من نور ونَبض وسيرة لم تكتمل بعد."
أيُّ رحمةٍ أوسع من تلك التي يجود بها الله على اليتيم؟  
هو وحده من يقرع باب السماء دون وسيط، فيسمعُه الرحمن، ويجعل من أنينه مناجاة، ومن صبره شهادةً على صدق الرضا.  
اللهم كن له وليّا في غيبتهم، وسندًا في وحشته، وأمّا تنام عند رأسه ولو في الحلم، وأبًا يُربّت على كتفه حين ينهار.
اللهم اجعل فقد أحبتنا جسرًا إلى الجنة، لا جرحًا يُدمي القلب كل ليلة.  
وكن معنا إذا تاهت أرواحنا بين الحنين والدعاء، وأرِنا في يتم اليتيم وجهًا من وجوهك الكريمة، لنحتضنه لا شفقةً بل يقينا بأن رعايته قربى إليك، ووفاء لمن رحل ولم يخذلنا يوما .
بقلم الأستاذة خديجة آلاء شريف 

تعليقات