في طرقات التوقعات المبعثرة، كنتُ أسير، أحمل بين ضلوعي يقينًا بأن الطيبة في جوهرها قوة، وأن نقاء النوايا لا ينبغي أن يكون سببًا في الانكسار. غير أن الأيام، بمراوغاتها القاسية، أثبتت لي أن المشهد ليس بهذه البساطة، وأن للواقع حساباته التي لا تأبه بصفاء الروح.
كنتُ كمن ينتظر المطر في أرضٍ جرداء، يتشبث بالأمل رغم تشقق الأرض تحت قدميه، حتى أدركت أن بعض الانتظار ما هو إلا استنزاف بطيء، وأن بعض الطيبين يُستنزفون حتى الجفاف في مساحات لا تقدرهم.
قالوا لي: "غيّري طبعكِ، فالزمن تبدّل، والنفوس غدت مسننة الأطراف، لا مكان للين وسط عالمٍ يشحذ سكاكينه كل صباح".
أقنعوني بأن الهيبة تُصاغ من صلابة الملامح، وأن الثقة لا تُبنى إلا فوق جدار من القسوة، وأن الطيبة عثرة في طريق النجاح، يُستغل بها صاحبها حتى يُنهك.
لكنني، رغم العثرات، أرفض أن أكون نسخة مشوهة من عالمٍ يفرض جبروته تحت مسمى القوة.
أتساءل بيني وبين نفسي:
هل تُقاس العظمة بجمود النظرات وقسوة الكلمات؟
أم أن القوة الحقيقية هي أن يبقى الإنسان وفيًا لنقائه، رغم كل الخيبات؟
لستُ هنا لأُعلن انهزامي أمام قسوة الواقع،
بل لأُعلِّم القسوة درسًا لم تفهمه بعد؛
أن الطيبة ليست ضعفًا، بل شجاعةٌ لا يقدر عليها إلا نقيّ الروح،
وأن الصلابة الحقيقية هي أن تظل نقيًا، في عالمٍ يرى النقاء سذاجة،
أن تختار الرحمة، وأنت تدرك جيدًا كم من الجراح خلفك،
أن تمد يدك، رغم أنك تعلم أنها قد لا تلقى امتدادًا آخر،
أن تكون كما أنت، بلا قناع ولا زيف، لأنك تدرك أن الصدق، وإن كان مكلفًا، هو الثروة الحقيقية.
تعليقات
إرسال تعليق