كلَّ صباح،
كانت ترتدي شفتيها كما يرتدي الجندي خوذته:
لا للحماية… بل للخداع.
تمرّر اللون الأحمر بهدوء،
تحدِّق في المرأة التي تطلّ من المرآة،
وتُقنعها أن الحياة لا تنتظر منّا صدقًا،
بل مظهرًا.
تتأمل شفتيها ببطء،
ثم ترسم ابتسامة باردة،
كأنها تُدرّب نفسها على دور لا تؤمن به.
لكنّ المرآة كانت تعرف.
المرآة دائمًا تعرف.
كانت تبدو أنيقة،
متقنة الزينة،
واثقة في مشيتها…
إلى أن يُذكر اسم ضحكة.
لا أحد في مكاتبهم الصاخبة،
أو في صالوناتهم اللامعة،
كان يتذكّر صوتها وهي تضحك.
أحمر شفاهها يصرخ حضورًا،
لكن ضحكتها غابت منذ سنوات…
غابت يوم سُئلت:
"متى آخر مرة ضحكتِ من قلبكِ… دون أن تشعري بالذنب؟"
ذات مساء،
جلست أمام مرآتها،
بلا عدسات،
بلا كحل،
بلا لون يُخفي ارتجافة قلبها.
اقرا ايضاترامب: أنجزوا الاتفاق بشأن غـزة
أخرجت دفترًا صغيرًا من الدرج،
وكتبت فيه:
"حين كنتُ طفلة، كنتُ أضحك لأتحدى حزني.
اليوم، أضحك فقط كي لا يشفق عليّ أحد.
كل صباح، ألوّن شفتيَّ،
وأتمنى لو يصدّقني أحد حين أقول: أنا بخير."
في ذاكرة قديمة،
تذكّرت ضحكتها في ممر المدرسة،
يومَ سقطت صديقتها على الأرض،
فانفجرتا ضحكًا حتى سالت دموعهما.
ضحكة كانت تخرج من الروح،
لا من الفم.
من الطفولة،
لا من العُلبة الحمراء.
أما اليوم…
فأحمر الشفاه هو كل ما تبقّى لها.
حاجزٌ بين فمٍ صامت،
وقلبٍ ملآن بالكلمات التي لم تُقل.
في حقيبتها،
كريم أساس، ومسكرة مقاومة للماء،
وأربعة أنواع من أحمر الشفاه…
لكن لا منديل واحد للدموع.
كل أدواتها صُمّمت لتثبت شيئًا واحدًا:
أنها بخير… حتى حين لا تكون.
وفي آخر الليلة،
أزالت أحمر الشفاه بلطف،
كأنها تودّع امرأة أخرى،
ثم تمتمت لنفسها:
"لا أحد ينتبه…
إن كنتُ أضحك، أو فقط أرتعش بلونٍ جميل."
تعليقات
إرسال تعليق