القائمة الرئيسية

الصفحات

الكاتب الصحفي والناقد الفني عمر ماهر يكتب بتول عرفة... المخرجة اللي بتستاهل نفرشلها السجادة الحمرا ونعلّق صورتها عالحيطان!



بتول عرفة مش بس اسم بيلمع بالساحة الفنية، هي حالة استثنائية، حالة بتعيّشها الكاميرا، بتتنفّسها العدسة، وبتترجما الشاشة لدهشة بصرية ما بتخلص! بهالفترة، المخرجة العالمية بتول عرفة عم تعيش نشاط فني قلّ نظيره، كأنها موجة بحر ما بتهدى، أو شعلة إبداع ما بتنطفي، عم تشتغل، تخلق، وتبهرنا بذكاء مدهش واختيار دقيق متل حد السيف. وبتول مش من النوع اللي بيركب الموجة، بتول بتخلق الموجة وبتسابقها، كل عمل بيحمل توقيعها بيصير حدث، كل لقطة بتصورها بتصير مرجع، كل تفصيل محسوب، مرسوم، مفكّر فيه، ومطعّم بحسّ أنثوي عميق ووعي بصري متقدّم.


هي مش بس بتعيش عصرها، بتصنع عصراً خاص فيها، عصراً لازم نحافظ عليه متل ما بنحافظ عالأماكن الأثرية، لأن بتول عرفة هي "سلالة نادرة"، موهبة ما بتنخلق كل يوم، عقل بصري لازم يُدرَّس بكليات الإخراج، شخصية سينمائية بتستحق تُتحوَّل لفيلم بحد ذاته! لأنه ورا كل قرار بتخده، في عبقرية صامتة، ورا كل ممثل بتختاره، في رؤية، ورا كل مشهد، في فلسفة، وكل عمل، هو رسالة واضحة بتقول: "أنا هون، أنا بتول، وأنا ماني متل حدا".


وإذا بدنا نفتح أرشيف ذكرياتنا، منكتشف إنه في شي بزمن التسعينات، بهالأعمال اللي كانت تشتغل فيها الكاميرا بإحساس، اللي كان المخرج يشتغل كأنه رسّام، بيرسم عالم كامل بلقطة، وهيك بتشتغل بتول اليوم، كأنها بنت من بنات الزمن الجميل، بس وُلدِت بالمستقبل، جاي تحملّنا الحنين، وتخلينا نرجع نآمن إنه الفن بعده بخير، وبعده قادر يحرّك فينا الأحاسيس، ويخلّي عيوننا تدمع، من كادر، من موسيقى، من حركة كاميرا ناعمة أو صارخة.


بتول عرفة مش بس بتخرج، بتول بترسم مشاعر، بتفتّش عالجوهر، بتبحث بالعيون عن القصة قبل ما توصل للسيناريو، وبتختار النصوص اللي بتشبهها، اللي فيها عمق وفكرة وهمس وجرأة، وبتصيغها بأسلوبها الخاص يلي بيجمع بين الكلاسيك والإبتكار، وبين التقليد وكسر القواعد، هي مدرسة، ومرجعية، وصوت خاص بصريًا ودراميًا وموسيقيًا كمان.


بزمن فيه كتير من الأعمال صارت متشابهة، وكتير من المخرجين عم يستسهلوا وبيشتغلوا بمنطق السرعة، بتول بتقول: "لا!"... بتول عم توقف، تراجع، تفكر، تطوّر، تشتغل بمزاج الفنان الحقيقي، مش بمزاج السوق، وهاد لحالو شي نادر كتير، شي لازم نحط عليه إطار دهبي ونعلّقو على حيطان مهرجانات العالم.


يلي ما بيعرف بتول عرفة، بيكفي يشوف عمل واحد من توقيعها، ليكتشف إنه في شي "أكبر من الإخراج" عم بيصير، في فكرة، في تأليف بصري، في شعر داخل الكاميرا، في سحر بيشبه حلم ما بده يفيق. يمكن من هيك عم نحسّ إنو بتول هي مش بس عم تخرج، هي عم تحكي عنّا، عن وجعنا، عن أحلامنا، عن هويتنا، عم تعكس صورتنا الحقيقية بس بطريقة أعمق وأجمل.


ويا ريت ينعمل عنها فيلم... مو لأنها مشهورة، بل لأنها ظاهرة، لأن شخصيتها الفنية بتتدرس، لأن اختياراتها ما بتجي عبث، بتجي بميزان الذهب، ولأنها كل يوم بتقدملنا مشهد نحفظه بذاكرتنا ونقول: "هيدا بتول... وهيدا ما بيتكرر". هي عملة نادرة بزمن العُمل فيه صارت ورق، هي إشراقة بفجر بيكاد يغرق بعتمة التكرار، هي رهان رابح بكل معنى الكلمة، وكل مرة بتوقعنا بحب فنّها أكتر وأكتر.


وأخيرًا، إذا في يوم من الأيام قرروا يصوّتوا على مين بيستاهل ياخد أوسكار، مش بس عن عمل، بل عن روح، عن مسيرة، عن طاقة فنيّة، عن وفا للكاميرا، عن عشق للصورة، عن ضمير فني حيّ... لازم يقولوا: "بتول عرفة"، وإذا في سجادة حمرا عم تفرش، فلتكون إلك يا بتول، إلك وحدِك، لأنك من القلائل اللي بيشرفونا، وبيرجعولنا الإيمان إنه الفن مش مهنة، الفن هو رسالة... وإنتِ، حاملتا على كتافك، بكل شغف، بكل أناقة، وبكل حب.

تعليقات