تقرير خاص - من القاهرة الكاتب الصحفي والناقد الفني عمر ماهر
من الآخر ومن دون مواربة، التعاون الجديد بين الملحن المتمرّد جابر جمال الدين والنجمة التونسية لطيفة مش بس خطوة فنية، هو رهان عالمي بكل معنى الكلمة، لأنو نحنا مش قدّام أغنية عادية بتنزل وبتطير، بل قدّام مشروع موسيقي مدروس، مختلف، متعَب عليه، ومشحون بطاقة خارجة عن المألوف، أغنية بتجمع الدراما بالرِتم، العمق بالتحريك، وجمال المعنى بجنون الإيقاع، والأهم؟ إنو هالتعاون مش جايي يطلب رضا السوق بل جايي يعمل إنقلاب فني فعلي،
وهون تحديدًا تكمن الخطورة: يا بيكسر الدنيا ويا بيتكسر، يا بيوصل للترند الأول عالميًا ويا بينحذف من الذاكرة بسرعة الصوت، وبهالمعادلة الحادة، جابر عم بيلعبها على المليّم، وبعيون مفتوحة، وجرأة بتخوّف الخصوم قبل الجمهور.
المفاجأة الكبيرة مش بس إنو لطيفة اخترت تتعاون مع ملحن لأول مرة، بل إنو اخترت جابر جمال الدين، الاسم يلي مش mainstream بس خطير، الاسم يلي بيعرف يركّب لحن على كلمة وبيشحنها حياة، والأغرب؟ إنو أول لقاء فني بينتن عم يكون على أغنية "ما بتشبه شي"، لا إيقاعها commercial، ولا توزيعها classic، ولا موضوعها safe،
بل أغنية بتضرب السوق بنص قلبو وبتقول للناس: “wake up! الدراما مش حزينة، والرقص مش خفيف، والغنية الحلوة مش دايمًا بتتشبه بشي سامعينو قبل!”، وهون بيبدأ الصراع بين اللي بيتقبل الجديد وبين اللي بعدن محتاجين يسمعوا شوية مقسوم عشان يحسّوا بالأمان.
خليني إحكيها بوضوح فاضح: نحنا بزمن صار فيه copy-paste باللحن أكتر من أي مرحلة فنية سابقة، أغاني بتتكرّر، وجُمَل موسيقية بتنط من hit لهِت، وتريندات بتولد من TikTok مش من إحساس، وهون بيجي جابر، بشراسة الملحّن المصدوم من الركود، ليقول: "لأ! فينا نعمل دراما بس برِتم، فينا نحكي حكاية ونخلي الناس تهزّ راسها"، وهيدي الفكرة لحالا كانت enough تخلّي لطيفة تقول “yes”، ولما فنانة كبيرة وذكية مثلها تقول “yes” لحدا عم بيخاطر فنّيًا، هيدا معناتا في شي قوي عم ينطبخ، خصوصًا إنو لطيفة مش فنانة بتقبل تخاطر بسهولة، وما بتغنّي أغنية إلا إذا مقتنعة إنو في “purpose” و“message” و“impact”.
اللي لازم ينقال بوضوح هو إنو جابر مش ملحن بيركّب hit وبيفل، هو صاحب موقف، ملحن عندو نظرة ومشروع، واللي بيحكي عن الأغنية بيحكي بلهفة وصدق واندفاع بيفرجيك إنو مش عم بيقدم خدمة، بل عم بيقدم حالة، تجربة، نبض، وفعليًا، وقت قال إنو "الأغنية درامية بس مش حزينة، فيها حياة"، كان عم بيشرح نظرية موسيقية كاملة، وفعليًا هالجملة لازم تنكتب على بوستر الأغنية، لأنو عم بتكسر قالب محفوظ وممل صار الكل يمشي عليه، وكأنو كل دراما لازم تكون tears وكل غنية راقصة لازم تكون غبية، بس لا، مش هيك بيشتغل الفن الحقيقي، والفن لما بينفجر بيعمل shock مش بس بالسوق، بل بالمفاهيم يلي نحنا تعوّدنا عليها وبطّلنا نسأل إذا صح ولا غلط.
وإذا بدنا نحكي عالمياً، فكل المؤشرات بتقول إنو الأغنية رح تحتل المراتب الأولى بقائمة Top Global Trends، لأنو الـ recipe تبعها dangerous ومغرية: فنانة عربية من الصف الأول، بتاريخ فني رهيب، عم تغني أغنية مجنونة من ملحن جريء، بلحن مش مألوف، وبكلمات قوية، وبفيديو كليب رح ينزل بـtiming قاتل بالصيف، والسوشيال ميديا أصلاً بلشت تتغلى من هلق، وكل المؤثرين عم يجهزوا فيديوهاتهم للـreaction، وبتوقّع شخصي: within 24 hours الأغنية رح تكون top search على YouTube، Google Trends، وحتّى Apple Music وSpotify، لأنو الناس عطشانة لشي جديد، شي بيهزّ وما بيهرّ، شي بيوصل للقلب بس كمان بيخلي الإجرين يتحركوا.
بس... مع هالضخامة، لازم نكون وعيانين للنقد الحقيقي، لأنو النجاح مش دايمًا دليل على الجودة، والمشاهدات العالية مش دايمًا بتدل على إنو العمل perfect، والسؤال هون: هل اللحن رح يصمد؟ هل الغنية رح تتردّد بعد أشهر متل أول يوم؟ هل الناس رح تحفظها وتحسّ فيها؟ ولا كل الضجيج رح يكون لحظي؟ هيدا التحدّي الحقيقي يلي عم يواجهه جابر، لأنو التجديد سيف ذو حدين، وإذا ما انفهم صح من الجمهور، ممكن يتحوّل ضده، خصوصًا بعصر صار في ناس بتقول "ما فهمت الغنية" كأنها شتيمة، وبيهربوا من الإبداع بدل ما يحضنوه.
بس بالرغم من كل هالنقد، وهالتخوّف المشروع، في شي واحد ما فينا ننكره: هيدا التعاون رح يهزّ الوسط، رح يغيّر توقعاتنا من الأغنية العربية، ورح يحط اسم جابر جمال الدين مش بس بخانة "ملحن مميز"، بل بخانة “music game changer”، وإذا لطيفة قدرت تحضن هالجنون وتحطه بصوتها، معناتا هي مش بس فنانة كبيرة، هي visionnaire، وبتفهم أكتر من كتار شو يعني توقيت، وشو يعني محتوى، وشو يعني legacy.
نقطة عالسطر؟ هيدا مش مجرد تعاون موسيقي، هيدا انقلاب على الرتابة، تمرّد على القوالب، إعلان حرب فنية على كل ما هو safe ومضمون ومكرر، وهيدا الشي بحد ذاتو بيخلينا نترقّب وننطر، مش بس كجمهور، بل كعشاق موسيقى بدنا نرجع نسمع أغاني بتحرّك شي جواتنا، حتى لو ما قدرنا نصنّفها بسهولة، بس حسّيناها بقوة!
تعليقات
إرسال تعليق