رحل. وتركها تقبّل زجاجة عطر كأنها تقبّل خياله.
فتحت خزانته ذات مساء،
فاندفع عطره كريح دافئة أصابتها في الصدر،
فشهقت دون أن تنتبه.
وكأنها التقت به مصادفةً في ركن من ذاكرتها المؤلمة.
كان لا يضع الكثير،
نقطة واحدة فقط خلف أذنه كل صباح،
ثم يمرّ بها،
ويترك خلفه أثرًا لا يُغسل، ولا يُنسى.
ذاك العطر لم يكن رائحة فقط.
بل كان توقيعًا على كل لحظة عاشتها معه:
ضحكته، صمته، غضبه، احتضانه لابنتهما،
وجلسته المسائية بجانبها دون كلام.
اقرا ايضاالنقيب أحمد رضا ضابط بدرجة أنسان
وحين رحل فجأة،
بقي كل شيء في مكانه.
ملابسه، فوضاه المعتادة، فراغ كرسيه.
وبقي العطر.
عالقًا في الوسادة، في وشاحه، في الهواء…
وكأن الغياب اختار أن لا يكون كاملاً.
تمرّ كل يوم بجانبه،
تشمه.
ثم تبكي دون صوت.
كأن قلبها يشمّ ما لم تعد عيناها تراه.
كل من حولها كان يقول:
"تجاوزي، الحياة تستمر."
لكنها لم تجد أحدًا يقول لها:
"أتعلمين كم هو موجع أن تبقى الرائحة بعد أن يختفي الجسد؟"
وفي لحظة ضعف،
تسللت إلى الغرفة،
أمسكت بزجاجة العطر،
وضغطت عليها مرة واحدة فقط.
فأضاء المكان بلحظة من الماضي،
ثم أظلم من جديد.
وضعتها في صندوق خشبي،
وكتبت عليه بخط مرتجف:
"هذا ما تبقى منه… لا يُلمس، لا يُنسى، لا يُمحى."
ثم خبأته،
كأنها تخبئ قلبها.
تعليقات
إرسال تعليق