لقد تغير العالم، وتغيرت معه قلوبنا، أفكارنا، وحتى طريقة تفاعلنا مع اللحظة العابرة. كنّا بالأمس نعيش في مساحات من البساطة، حيث كانت العفوية مفتاحاً للتوازن الداخلي، وحيث الصبر ليس خياراً، بل ضرورة ترتكز عليها الحياة. واليوم، أصبح كل شيء سريعاً، حتى قلقنا صار يسبق خطواتنا، وكأن وعينا المتزايد قد سرق منا تلك البراءة القديمة التي كانت تجعلنا أقل تأثراً وأقل اضطراباً.
في زمن آبائنا، كانت الحكمة تنساب في التصرفات بهدوء، وكانت البركة تحلّ في الأشياء بقلب مطمئن. لم يكن القلق سيّد اللحظة، بل كان الحلم والتأني يلعبان دوراً في مواجهة المصاعب دون تهور. أما نحن، فنقف على عتبة عالم يتغير بلمح البصر، حيث المعرفة تأتي دفعة واحدة، لا انتظار فيها، ولا تأجيل.
ولكن هل أصبحنا أكثر هشاشة بسبب هذا الوعي؟ هل فقدنا بوصلة الاتزان لأننا نبحث عن إجابات لكل شيء؟ ربما، فقد تعقدت أسئلتنا، وصار النوم نفسه معضلة تحتاج إلى طمأنينة ضائعة وسط ضجيج التكنولوجيا وسرعة التواصل. بين العوامل النفسية التي تتغلغل في أعماقنا، والتغيرات البيولوجية التي تفرض علينا إيقاعاً مختلفاً، وبين الضغوط الاجتماعية التي لا تعرف الهدوء، يبدو أننا ندور في حلقة من التحليل المستمر، وكأن الحياة لم تعد لحظات نعيشها، بل معادلات نحاول حلّها.
لكن وسط هذه الفوضى، لا تزال هناك نافذة للأمل. فربما الحل لا يكمن في العودة إلى الماضي، بل في القدرة على اختلاق لحظات الصمت وسط هذا الضجيج، في أن نجد في العمق مكاناً يشبه تلك الطمأنينة المفقودة.
تعليقات
إرسال تعليق