ليس الجسد وحده من يشكّل الإنسان، بل الروح هي السرّ الخفي، وهي النور الذي يشعّ في الظلمة، وهي اللحن الذي يعزف في صمت الكون. كم من نفس سارت في دروب الحياة، تائهة تبحث عن نصفها المفقود، حتى إذا بها تصادف روحًا تشبهها، فتنبض لها كما تنبض الأوتار للحن العذب، وكما تشتاق الصحارى للمطر الندي.
ليس الهوى نظرة عابرة، وليس العشق لقاء الأجساد، بل هو حديث الأرواح في ملكوتٍ أسمى، تتعانق فيه الأرواح قبل الأجساد، وتتصافح فيه القلوب قبل الأيدي، وكأن هناك سحرًا خفيًا يُلامس الوجدان دون أن يُرى، ويخاطب القلب دون أن يُقال.
هناك في أفق المشاعر، حيث لا تُرى العيون بل تُبصر القلوب، وحيث لا تُسمع الكلمات بل تُترجم الأحاسيس، تنسج الأرواح قصصًا لا يكتبها قلم، ولا يسردها لسان، لكنها تُخطّ على صفحات الشعور، بحبرٍ من الوجد، وبمدادٍ من الحنين.
إن تساءلوا: "لِمَ أحببت؟" قل لهم: الأرواح تهيم في عالمها، وتعشق ما لا يدركه البصر، وترى ما لا ترونه.
وما اللقاء إلا لحظة مكتوبة في سفر الأقدار، تأتي كحلمٍ عابر فتسكب في القلب معنى لم يكن يدركه، وتفتح للروح أبوابًا كانت مغلقة، وترسم في الأفق ظلالًا من الألفة والمودة، حيث تهتزّ الكائنات لصوت الحب، وتتحدث الطبيعة بلغة الشوق الذي لا يخطئ طريقه.
فالعشق ليس وعدًا عابرًا، ولا حكاية تنتهي عند آخر السطر، بل هو سرّ الأرواح حين تتلاقى، حين تذوب في بعضها فتنسج من النبض أغنية لا يُسمع لها صدى، لكنها تُحس في الأعماق كأنها نشيدٌ أبديٌّ لا ينطفئ.
تعليقات
إرسال تعليق