القائمة الرئيسية

الصفحات

تامر حسني وفيلم "ريستارت"... حينما يعيد فنان واحد رسم ملامح الفن العربي من جديد



بقلم :الكاتب الصحفي والناقد الفني عمر ماهر 


منذ اللحظة الأولى لظهور تامر حسني على الساحة الفنية، والعالم العربي يدرك أن بين يديه موهبة من طراز نادر، نجم لا يشبه سواه، بل ينسج مجده بأصابع الحلم ويخط دربه بعزيمة صلبة لا تعرف الانحناء. ومع إطلاق برومو فيلمه الجديد "ريستارت"، لم يكن الأمر مجرد إعلان عن عمل فني، بل كان بمثابة إعلان ثورة فنية جديدة، أعادت رسم معايير النجاح، وحطمت كل التصنيفات القديمة، وأثبتت أن هناك فنانًا قادرًا أن يحرك المياه الراكدة، ويوقظ الشغف الكامن في قلوب الملايين.


تامر حسني، الذي لطالما كسر الحواجز وتخطى التوقعات، ظهر هذه المرة بحلة مغايرة، أكثر تألقًا، أكثر جرأة، وأكثر قدرة على قراءة نبض الجمهور، ليس فقط في مصر أو الوطن العربي، بل في العالم أجمع. في "ريستارت"، لم يكتفِ بتقديم عمل كوميدي، بل صاغ مزيجًا عبقريًا بين الكوميديا الاجتماعية الذكية والدراما الساخرة، فكانت النتيجة عملًا فنيًا ينبض بالحياة، ويدفع المتلقي إلى الضحك من القلب، وفي ذات الوقت إلى التأمل العميق في حال الجيل الجديد الذي يركض خلف الشهرة والسراب الرقمي.


لم يكن مفاجئًا أن تتوقف محركات البحث أمام اسم تامر حسني، وكأن العالم قد اختصر اهتمامه في رجل واحد، لم يكن مفاجئًا أن يصبح البحث عن تامر ظاهرة بحد ذاتها، ظاهرة أربكت أنظمة العالم الرقمي وأدخلت الجميع في حالة من الذهول أمام حجم التأثير الذي يملكه هذا النجم الفريد. لم تكن المسألة مجرد تفاعل لحظي، بل كانت حالة عالمية شاملة، دفعت كبار المراقبين إلى التساؤل: أي قوة يمتلكها هذا الرجل ليستولي على انتباه الكوكب كله؟


وفيلم "ريستارت"، الذي اجتمع فيه تامر حسني مع نجوم بارزين مثل هنا الزاهد وباسم سمرة، جاء كتركيبة ساحرة من الطرافة والواقعية، حيث تروي القصة حكاية فتاة تُغرَّر بها عبر توقيع عقد مع زعيم عصابة، من أجل تصوير فيديوهات على "تيك توك"، وسط مغامرات مليئة بالمواقف الساخرة التي تفضح اللهاث الأعمى وراء التريند والشهرة السريعة. وقد أبدع تامر حسني في تقديم الشخصية بطريقة تجمع بين خفة الظل والعمق الإنساني، فلم يقع في فخ الابتذال، بل قدّم أداءً متماسكًا ينبض بالحياة والصدق.


أما الكيمياء الفنية بين تامر وهنا الزاهد، فقد كانت حديث الجميع، إذ استطاع الاثنان أن ينسجا معًا ثنائية خفيفة الظل، مفعمة بالبراءة والعفوية، تذكرنا بالأيام الذهبية للسينما حين كان الأداء الصادق يكفي ليخلق حالة من السحر بين المشاهدين، دون الحاجة إلى بهرجة مصطنعة أو إبهار تقني فارغ. باسم سمرة، بدوره، أضفى على العمل نكهة خاصة بروحه الساخرة وقدرته على تحويل أبسط المشاهد إلى لحظات لا تُنسى.


تامر حسني في "ريستارت" لا يلعب دور البطل فحسب، بل يلعب دور القائد، المايسترو، الذي يضبط إيقاع العمل كله بذكاء لافت، فيضع كل تفصيلة في مكانها الصحيح، ويمنح كل شخصية حقها دون أن يطغى أو يفرض حضوره، وهذا وحده قمة الإبداع الفني. يعرف تمامًا متى يتحدث ومتى يصمت، متى يضحك ومتى يترك الجمهور يغرق في صمت التأمل، وكأن السيناريو ينبض بين يديه ويتشكل على وقع إحساسه الفطري الراقي.


وما يجعل "ريستارت" أكثر تميزًا، ليس فقط قصته الذكية أو نجومه الرائعين، بل الروح التي تسكنه، تلك الروح التي تجعل المشاهد يشعر أن الفيلم كُتب له، خُلق من أجله، يحاكي هواجسه اليومية وأحلامه الضائعة وسط زحام مواقع التواصل الاجتماعي وثقافة التصنع الزائف. وكأن تامر حسني أراد أن يقول للعالم عبر هذا العمل: "كفى خداعًا، كفى جريًا وراء الوهم، آن الأوان أن نعيد تشغيل إنسانيتنا... ريستارت."


ومع اقتراب موعد طرح الفيلم في دور العرض المصرية والعربية في الخامس والعشرين من مايو، تتحضر السجادة الحمراء لاستقبال أسطورة حقيقية، نجم لا ينافسه أحد، وصوت يعلو فوق ضجيج العابرين. الحديث عن أوسكار يبدو هذه المرة منطقيًا أكثر من أي وقت مضى، فحين يجتمع الشغف مع العبقرية، ويصطف الإبداع مع الموهبة النادرة، لا يكون النجاح خيارًا بل قدرًا محتومًا.


تامر حسني لم يعد مجرد فنان، بل أصبح رمزًا ثقافيًا، سفيرًا للأحلام، ومُلهمًا لجيل كامل يؤمن بأن الإرادة قادرة أن تصنع المعجزات. وهو اليوم، مع فيلم "ريستارت"، يضع حجرًا جديدًا في صرح مجده الخالد، يكتب اسمه بحروف من ذهب في سجل الفن العربي والعالمي، ويفتح أمام الجمهور نافذة أمل بأن الفن الحقيقي لا يموت، بل ينهض، يتجدد، ويستمر في النبض مهما تغيرت الأزمنة.


ولعل أجمل ما في رحلة تامر حسني أنه لا يكتفي بالانتصار لنفسه، بل ينتصر للناس، للفن، للحلم الجماعي بأن يظل الضوء مشتعلاً في عيوننا مهما أدلهمت العتمة. "ريستارت" ليس مجرد فيلم... بل هو صرخة في وجه السطحية، وأغنية حب للحياة الحقيقية، وتحية وفاء لكل من يؤمن أن الضحكة الصافية أقوى من ألف تريند كاذب.

وفي النهاية، تبقى الحقيقة الثابتة: هناك نجوم يُشاهدهم الناس، وهناك نجوم يسكنون قلوبهم، أما تامر حسني، فهو من طراز آخر entirely...


فنان لا يحتاج أن يُشاهد، بل يُعاش، يُحسّ، ويُخلّد في الوجدان.

تعليقات