بقلم محمد الكعبي
الكثير يعتقد ان بناء دولة ما امر بسيط وليس فيه عناء أو تعقيد وإنما هو عملية سياسية أو عسكرية بسيطة وهذا الفهم الساذج منتشر بين الكثير وخصوصا في اوساط الشباب والكوادر التي دخلت العمل السياسي حديثا واما عن طريق الانتماء لحزب أو حركة ما وتقلد بعضهم المناصب بلا عناء وتعب فقط مجرد ولاء للزعيم أو للحزب لكن لو أمعنا النظر لوقفنا على مجموعة من التعقيدات والتداخلات وتعدد الاتجاهات والابعاد فضلا عن الحاجة إلى رؤية واضحة المعالم واقعية شاملة منتظمة ليس فيها أي نقص لان أي خلل سيؤثر على ديمومة النظام السياسي ويربك العملية برمتها وعدم تغافل التنسيق والتفاهم والانسجام بين جميع مفاصل الدولة لان أي فصل أو تجزئة يعني عدم تكامل مشروع بناء الدولة لذا يحتاج إلى استقرار سياسي وامني ونمو اقتصادي ومشاركة الجماهير في البناء.
ان الاستقرار السياسي من اهم مرتكزات بناء الدولة وهو من الاسس التي يعتمد عليها ومن خلاله يمكن الانطلاق إلى غيره من الشؤون التي تساهم في بناء الدولة حيث تتفاعل جميع الفعاليات والمؤسسات والهيئات والمنظمات والنخب والزعامات في رسم مخطط بناء الدولة الحديثة وتشارك بكل ما تملك من امكانات وتسخيرها لمصلحة مشروع الدولة الصالحة وهذا يتطلب وجود دستور يحتكم إليه الجميع، بحيث يضمن الحقوق والواجبات، وبه يتم تحقيق العدالة الاجتماعية والتداول السلمي للسلطة وتوزيع عادل للسلطات والمناصب من دون استحواذ وابتزاز ومحاصصة واقصاء وتهميش لطرف على حساب اخر ويضمن حقوق الجميع ويحدد المسارات بوضوح من دون ضبابية لذا نحتاج إلى التنمية بكل انواعها ومستوياتها ومنها الاقتصادي الذي يعتبر شريان فاعل وحيوي في تغيير المعادلات سلبا وايجابا لما يحمله من امتيازات وقوة وان التنمية الاقتصادية تحتاج للكثير من الخطط والاستراتيجيات والرؤى وفق جدولة زمنية للعمل ابتداءا من البنية التحتية ثم مشاريع نهضوية عمرانية كبيرة كالجسور والانفاق والطرق والمجمعات السكنية والمستشفيات والمياه وتوفير حاجات المجتمع من مياه وكهرباء والتعليم والصحة ومكافحة الفساد والفقر والمرض والبطالة والمحسوبية والمحاصصة وقمع الخارجين عن القانون وارساء مبدأ احترام العدالة والمصالح العليا للبلد، وهذ كلها من مقومات الدولة الحديثة التي لها سيادة لان النجاح المتحقق سيكون للجميع والفشل كذلك.
ومن المرتكزات المهمة ايضا هو العمل على الانسجام والتوافق بين جميع القطاعات مع الحفاظ على الخصوصيات والتخصص لان السياسة والاقتصاد والتعليم والصحة والامن والاستقرار والقانون وغيرها كلها بمجموعها تشكل صورة متكاملة للدولة العصرية لا يمكن فصل احدها عن البقية، فالترابط الوثيق بينها يشكل حالة تكاملية.
العدالة من المرتكزات في بناء اي حكومة ولا يمكن ان يتحقق الاستقرار والبناء والامن بعيدا عن العدالة فالمجتمع الذي يحكمه ويتحكم فيه الظلم والتهميش والحرمان لا يبني ولا يعمر ولا يساهم في بناء دولة يشعر انها ظالمة بل يكون فيها المواطن عامل تخريب ومساهم فعال في تحطيمها فينبغي ان يحصل الفرد على حقوقه كاملة بلا حيف أو ظلم ومن الحقوق المساوات في التعليم والصحة والعمل كل بحسبه بعيدا عن المحسوبية والانتماءات والمعتقدات والدين، فالكل يأخذ استحقاقه وفق ما يملك من مقومات لكي يتعزز الشعور بالانتماء للوطن وينمي روح المشاركة في بناء الدولة ان الدولة المتطورة هي من تشجع وتحفز ابنائها في صناعة تاريخ مشرف لها وهذا يحتاج ان تكون الدولة قادرة ومستعدة لتنفيذ مشاريع نهضوية اصلاحية على مستوى الفرد والمجتمع وفي كل المجالات من الادارات البسيطة إلى المتوسطة الى العليا وهذا يحتاج إلى جهاز حكومي يتحمل مسؤولية القيام بهذه المهام الكبيرة بما فيها من عناء ومشاكل داخلية وخارجية وبشكل شفاف ورشيد بعيدا عن ردات الافعال والانجرار خلف العواطف والروتين القاتل والذي ينهك المواطن والدولة، ولابد من العروج إلى البعد القيمي للمجتمع فالعدالة والقيم السامية والمبادئ الحقة والتعاون والتآزر وحب الخير للجميع هذه وغيرها من الاخلاق الفاضلة عوامل رئيسية في بناء الانسان والمجتمع والدولة الصالحة والعكس كذلك فالبعد الثقافي والعلمي والاخلاقي لا يقل أهمية عن باقي الابعاد كالسياسي والاقتصادي والامني والثقافي بل قد يكون في المقام الاول لبناء الدولة والمجتمع والفرد، وهذه كلها تشكل صورة ناصعة متكاملة لدولة سليمة ليس فيها عوق.
تعليقات
إرسال تعليق