تحليل الدكتورة/ نادية حلمى
الخبيرة المصرية فى الشئون السياسية الصينية والآسيوية – أستاذ العلوم السياسية جامعة بنى سويف
أعلن ( مكتب لجنة الرسوم الجمركية بمجلس الدولة الصينى ) بشكل رسمى تصاعد الحرب التجارية بين واشنطن وبكين على إثر إعلان البيت الأبيض مرسوماً رئاسياً معدلاً برفع قيمة الرسوم التي ستفرضها واشنطن على الواردات القادمة من بكين من ٣٤% إلى ٨٤%، تضاف إلى ٢٠% مفروضة بالأساس عليها. ومن ثم زادت التعريفة الإجمالية إلى حوالى ١٠٤% إعتباراً من يوم الأربعاء الموافق ٢٣ إبريل ٢٠٢٥. وهو ردت عليه (وزارة التجارة الصينية)، بأن التحديات التى تواجه بكين من قبل إدارة ترامب تزداد بشكل كبير، مع تأكيدها على أن الصين ستتخذ الإجراءات اللازمة للتعامل مع التحديات الخارجية، فى ظل تصعيد حرب الرسوم التجارية مع الولايات المتحدة.
كما أكد البنك المركزى الصينى، بأنه لن يسمح بإنخفاضات حادة فى قيمة اليوان الصينى أمام الدولار الأمريكى، وأنه أصدر تعليماته للبنوك الحكومية الصينية الكبرى بخفض مشترياتها من الدولار الأمريكى للتأثير بالسلب على قيمة العملة الأمريكية وتعاملاتها فى الصين وحول العالم. مع تأكيد الحكومة الصينية، بأنها ما زالت تمتلك هوامش كبيرة من المناورة المالية والنقدية لإغاثة وإنقاذ إقتصادها فى مواجهة أى أضرار أمريكية حياله. وهنا نجد بأن الصين لديها مجموعة كبيرة من الأدوات للرد على تلك السياسات الأمريكية، مثل: خفض قيمة عملتها لليوان بشكل أكبر أو فرض قيود على الشركات الأمريكية ذاتها داخل الصين وهو ما حدث بالفعل منذ بداية عهد الإدارة الجديدة لترامب.
أما عن آلية الرد الصينى على تلك السياسات والقرارات الأمريكية، فتتمثل فى توجيه تحذير صينى لمواطنيها من الذهاب للولايات المتحدة الأمريكية للسياحة أو للعمل والدراسة، وبالتالى حرمان الخزينة الأمريكية من الملايين من الدولارات سنوياً، بالنظر لحجم السياح الصينيين الكبير داخل الأراضى الأمريكية، فضلاً عن كون الطلاب الصينيين الدارسين فى الجامعات الأمريكية من أكبر الدارسين هناك والمساهمين فى عجلة دفع الإقتصاد الأمريكى والدخل القومى عبر آلية الإستثمار فى التعليم.
فى الوقت ذاته، أعرب عدد من قادة الحزب الشيوعى الصينى عن ثقتهم المطلقة فى عدم قدرة إدارة ترامب على الإستمرار فى تلك الإجراءات، بسبب حاجة ترامب إلى الصين لوقف تدفق مخدر الفنتانيل من المكسيك إلى الولايات المتحدة الأمريكية، فضلاً عن رغبة الإدارة الأمريكية فى مساعدة الصين لها لإنهاء حرب روسيا على أوكرانيا، وكذلك عدم رغبة ترامب فى تحمل مسؤولية إغلاق تطبيق "تيك توك" الصينى داخل الأراضى الأمريكية بسبب وجود إعتراضات من قطاعات عريضة من الرأى العام وشركات التكنولوجيا الأمريكية.
وتراهن الصين فى عدم قدرة إدارة ترامب على الصمود إزاء تلك الحرب التجارية معها، خاصةً وأن البلدين متشابكان إقتصادياً فى كثير من النواحى، فهناك قدر هائل من الإستثمارات المشتركة فى الإتجاهين، والكثير من التجارة الرقمية وتدفقات البيانات لدى الطرفين، الأمر الذى يصعب من مهمة الولايات المتحدة الأمريكية فى تلاعبها إقتصادياً وتجارياً مع بكين. وهنا جاء الرد الصينى الفورى على الجولة الأولى من الرسوم الجمركية التى فرضها ترامب عليها، بفرض الجانب الصينى برسوم مماثلة على بعض الواردات الأمريكية، وقيود على تصدير المعادن النادرة. كما فتحت بكين رسمياً تحقيقاً فى مكافحة الإحتكار مع شركات أمريكية تستثمر داخل الصين، بما فى ذلك شركة جوجل الأمريكية.
كما جاء رد الصين حازماً على واشنطن بالإعلان عن فرض رسوم جمركية مضادة، مع إعلان حكومة الصين عن إستعدادها لتحمل عواقب وخيمة بإتخاذ إجراءات أكثر صرامة، مثل سماح الصين رسمياً لعملتها اليوان أو الريمينبى بالهبوط، مما زاد من جاذبية الصادرات الصينية. كما بدأت الشركات المرتبطة بالدولة الصينية فى شراء الأسهم، فيما يبدو أنه خطوة للحفاظ على إستقرار السوق الصينى فى مواجهة أى ضغوط أو تغيرات وتحديات فى مواجهة الضغوط التجارية الأمريكية عليها.
كذلك يتوقع أن تمارس الصين ضغوطاً قصوى على الشركات الأمريكية داخل أراضى الصين لإجبارها على مغادرة البلاد أو ممارسة ضغوط بالمثل على إدارتها فى واشنطن لوقف حربها التجارية ضد الصين، وبدأت الصين بالفعل فى بدء إجراءات تعقيدية بحق "تسلا" للمركبات الكهربائية المملوكة لرجل الأعمال الأمريكى "إيلون ماسك" ذات الإستثمارات الضخمة داخل الأراضى الصينية، والتى أصبحت عرضة للإنتقام من بكين، خاصةً وأن تلك الشركة الأمريكية تجرى حوالى خمس أعمالها فى الصين. وهو ما ستستغله الصين بشدة خلال الفترة المقبلة.
وأبرز التوقعات والسيناريوهات للرد الصينى على تلك السياسات والقرارات والإجراءات التجارية الأمريكية فى مواجهتها، فيتمثل فى إتباع الصين لعدد من الخيارات المتاحة للرد بالمثل على الإدارة الأمريكية، مثل: إمكانية الصين بحث عمل إجراء تخفيضات فى أسعار الفائدة، ومساعدة الصين للحكومات المحلية للمصدرين المتعثرين فى إيجاد مصادر جديدة فى الداخل وفى الأسواق غير الأمريكية، فضلاً عن إمكانية تخفيض الصين للتعريفات الجمركية على بقية دول العالم، وبالتالى مزيد من الإنفتاح الإقتصادى والتجارى للعالم كله على الصين فى مواجهة واشنطن والسوق الأمريكى.
كما فرضت بكين أيضاً قيوداً على ١٨ شركة أمريكية كانت تتعامل مع الصين، معظمها فى قطاع الصناعات الدفاعية، رداً من الصين على إجراءات أمريكية مماثلة، بعد تعهد الرئيس "ترامب" بزيادة الرسوم الجمركية على الواردات من الصين من ١٠٤% إلى ١٢٥%. كما أعلنت الصين رسمياً من جانبها، فرض قيود على بعض المواد وخصوصاً المعادن النادرة التى تعد مهمة في صناعة المنتجات عالية التقنية والسيارات الكهربائية داخل الأراضى الأمريكية، علماً بأن الولايات المتحدة تستورد ٨٠% من إحتياجاتها لهذه المعادن من الصين.
كما يتوقع العديد من ردود الفعل الصينية المحتملة رداً على تلك القرارات الأمريكية فى حقها، مثل: إحتمالية تعليق جميع أشكال التعاون الصينى مع واشنطن بشأن مخدر الفنتانيل، وحظر الصين لإستيراد الدواجن الأمريكية وغيرها من المنتجات الزراعية، مثل فول الصويا والذرة الرفيعة، والتى تأتى بشكل رئيسى من الولايات المتحدة.
كما أعلنت الحكومة الصينية ممثلة فى وزارة تجارتها الخارجية، بأن بكين تحتاج إلى دراسة مدى الإستعداد فى الفترة القادمة لرؤية الإقتصاد الصيني ينفصل تماماً عن الإقتصاد الأمريكى بشكل تام، وهى ذاتها الفكرة التى تحظى الآن بدعم متزايد فى العاصمة الصينية بكين. وتراهن الحكومة الصينية كذلك، بأن العديد من الدول المستاءة من الرسوم الجمركية الأمريكية الجديدة، ستبدأ بالتحالف مع الصين ضد الولايات المتحدة، وأن بكين بسوقها العملاقة تمثل بديلاً جيداً لها.
كما تراهن الصين على حدوث هجرة جماعية لشركاء الولايات المتحدة التجاريين نحو الصين. كما تؤكد الصين بأن رفع قيمة التعريفات الجمركية عليها، يعنى رفع الضرائب على المستهلكين الأمريكيين وزيادة أوقات الشحن بشكل كبير، وهو ما يصب فى صالح الصين، فى مواجهة ممارسة ضغوط شعبية أمريكية على إدارتها لتخفيف حدة ضغوطها على المنتجات الصينية.
وربما نجد السيناريو الأكثر تفاؤلاً فى هذا الإطار، متمثلاً فى عقد الولايات المتحدة والصين لجلسة محادثات خاصة. مع العلم أن الرئيس "ترامب" لم يتحدث مع نظيره الرئيس الصينى "شى جين بينغ" منذ عودته إلى البيت الأبيض، رغم أن بكين أبدت إستعدادها عدة مرات لإجراء محادثات مع الجانب الأمريكى فى أكثر من مناسبة، وهو أمر إذا ما تم، فسيخفف من حدة الضغوط الملقاة على عاتق الجانبين، وربما سيجد مخرج من تلك الحرب التجارية المتبادلة بين الطرفين.
تعليقات
إرسال تعليق