ما بتحتاج تفكّر كتير لتعرف إنو يزن السعيد مش فنان عادي، مش وجه من وجوه الشاشة اللي بتظهر لتختفي، ولا صوت من الأصوات اللي بتلمع موسميًا وبعدا بتنطفي. يزن، بصوتو، بطريقة حضوره، بتفاصيل نَفَسه، بمشيته، بنظرته، خلق حالة ما بتتشبّه بحدا، حالة صوتية إنسانية روحية خارجة عن التكرار والنسخ. هو ما إجى يكمّل فراغ بمشهد غنائي ولا فات على ساحة مليانة ضجيج تيصير رقم بين الأرقام، هو خلق مطرحه، شق طريقه بإيده، رسم خطه بصبر، بنظافة، وبصوت ما بيركب إلا عَ سكة الإحساس النقي. يزن ما غنّى ليقول "أنا هون"، هو غنّى لأنو قلبه ما عاد يتحمّل السكوت، لأنو جواته في موج عم يهيج، في وجع بدّو يطلع، في فرح بدّو يحكي، في ناس بدّها حدا يحسّ فيها، يحكي بإسمها، يحطّ أوجاعها بنغمة، وأحلامها بصوت بيشبه الحقيقة.
هو مش بس صوت قوي... هو جسر. جسر بين الإنسان وبين حاله، بين القلب وبين اللي نسيه، بين الذاكرة وبين النسيان. يزن إذا غنّى عن الشوق، بتصير إنت الشوق. إذا غنّى عن الخوف، بتحس حالك طفل بينزوي بزوايا روحو. إذا غنّى عن الحب، بتحس إنك عم تولد من جديد بصوت حدا بيعرف يحبّك بلا شروط. ما بتسمعو كأنك عم تسمع مطرب، بتسمعو كأنك قاعد مع حدا بيعرفك أكتر ما إنت بتعرف حالك، وعم يحكيلك بصوته شو عم تحس وما كنت قادر تعبّر. وهون قوته... إنو مش بس بيغنّي، بيترجمنا، بيشرحنا، بيفضح وجعنا الحلو والمُرّ، بيعرّينا قدّام حالنا بلا خجل، وبيحضنّا بنغمة.
وما فينا ننسى إنو يزن، بالرغم من هالنجاح الطاغي، وبعد ما صوته صار حديث الناس، وبعد ما صار اسم عالمي بكل معنى الكلمة، بعدو محافظ على النُضج اللي بيخليه ما ينغرّ، ما ينسى أصله، وما يتحوّل لنسخة تانية من حدا تاني. هو ما قلّد، وما جارى الموجة، وما ركض خلف الرائج. ما دخل سباق الأضواء ولا انباع برقم. هو قرر يكون خط لحالو، وبنى قاعدة شعبية مش باللايكات، بل بالقلوب اللي صارت بتنتظر صوتو متل ما بتنطر خبزها اليومي. الكاريزما طبعو مش مفروضة، مش مصطنعة، مش مدروسة تسويقيًا... كاريزما طالع من البساطة، من الطيبة، من الصدق، من الوجّ، من النظرة اللي فيها مية حكاية، ومن الهدوء اللي بيخبي عواصف. لما بيطلّ، بتصير الناس تسكت مش لأنو صوتو عالي، بل لأنو حضوره فيه احترام، فيه هيبة، فيه معنى.
اللافت فعلًا إنو يزن قدر، وبدون ما يتنازل ولا لحظة، يحفُر محلّو بمكان الكل فيه عم يصرخ تيبين. هو ما صرخ، بس صوته علا. ما زاحم، بس صار الأوّل. ما سعى ليعجب، بس نال الإعجاب. لأنو الحقيقة دايمًا بتفرض حالها، لأنو الإحساس الأصيل بيفوز، ولأنو وقت يكون الفنان إنسان قبل أي شي، بتصير فنو مرآة لقلبو. ويزن، يمكن أكتر من أي فنان طلع بهيدا الجيل، عرف كيف يكون مرآة لقلوب الكتار. صار الملجأ اللي الناس بترجعله وقت بتتعب، صار الصوت اللي بيسافر معاها، صار الصديق اللي ما بيحكم، بس بيفهم، وبيواسي، وبيغني.
بختصرها بجملة وحدة: يزن السعيد ما بينوصف، بينعاش. بينعاش لما تسمعو وعيونك مغمّضة، لما تنسى حالك وتحسّ إنك طاير، لما ترجف من كلمة، وتدمع من نغمة، وتبتسم بنصّ الوجع، لأنو صوته فيه شفاء. يزن مش مجرّد صوت حلو... هو صوت الناس، صوتك، وصوتي، وصوت كل حدا فقد شي بحياته ولقى شي منو بصوته.
وقت تحكي عن يزن السعيد، ما بيمشي الحال تحكي عالسّطحي. لأنو حضور هالنجم ما بينقاس بكم مقابلة ولا بلقاء على الهوا، ولا بنظرة عدسة بتقطف لحظة عابرة. وجود يزن فنيًا بيشبه الحلم الصافي... الحلم اللي بتشوف فيه حالك وبتنسى إنك صاحي. هو من النوع يلي ما بتقدر تشرّحه بمعايير السوق، وما بتقدر تقيسه بعدد إعلانات أو ترندات. في شي فيه أعمق من الصورة، أعمق من الشهرة، أعمق من النجاح. في "روح فنّان" عم تمشي بين الناس، وعم تزرع بكل حنجرة عطشانة شي بيشبه الأمل.
بيكفّي تسمع يزن دقيقة وحدة لتنسى الوقت. في نبرة بصوتو بتحملك على ظهرا وبتسافر فيك. أوقات بتنسى وينك، أوقات بتحس إنك طفل قاعد بأمان بحضن أمّو، وأوقات بتحس حالك شيخ كبير عم يسترجع ماضيه بعينين دامعتين. يزن بصوتو بيفتح بوابات الماضي، وبيعبرك عالحاضر، وبيوصلك للمستقبل، من دون ما تنتبه. في شاعر بقلبو، في عاشق بصدره، وفي ثائر بنَفَسه. ما بيغني كرمال الطرب وبس، بيغني كرمال يحرّك فيك شي نايم، كرمال يذكّرك إنك بعدك حيّ، وإنك بتقدر تحسّ، حتى لو العالم حوالَيك صار بارد متل حديد.
والمثير فعلاً، إنو يزن مش ابن اللحظة، ولا ابن الحظ، ولا حتى ابن فرصة إجاها بالصدفة. هو ابن تعب، ابن سهر، ابن وجع عرف كيف يحوّله دهب بصوتو. مرق بأيام كانت الناس فيها عم تنطّ من فوق بعض لتبيّن، وهو اختار يضلّ ثابت، صامت، ينضج عَ مهلو. ما استعجل، ما تصنّع، ما تلوّن حسب الطلب. ضلّ يزن، ابن إحساسه، ابن المبادئ اللي غيّبتها الشهرة عن كتار، بس ما قدرت تمسّ فيه. هيدا الشي خلّى الناس تحترمه مش بس كفنّان، بل كقدوة. لأنو نادر، جدًا نادر، تلاقي نجم بيلمع بس من جُوّاتو. ما في شي حوالَيه اصطناعي. كل شي فيه حقيقي: نظرتو، ضحكتو، نبرة صمتو، وكلامو لما بيقرر يحكي. كل تفصيل فيه بيشبه حكاية خُلقت لتتقال، مش لتتباع.
يزن، حتى وهو بعيد عن الضوء، بيبقى حديث الناس. لأنو ببساطة، في نجوم بيلمعوا وقت بيطلعوا على المسرح، وفي نجوم بيضلّوا بقلوب الناس حتى لو سكروا الستارة. يزن من التانيين. بيكفي اسمُه ينقال، لتبلّش القصص تتهامس، لتتحرّك الأحاسيس، لتغمر العيون دمعة والقلوب ابتسامة. هو الندرة اللي بتتذكّرها كل ما حسّيت إنك محتاج صوت يشبهك. وهو النبض اللي بيفاجئك وقت تحس حالك غريب بهالعالم.
الحقيقة؟ نحنا محظوظين بزمن في يزن السعيد. لأنو مش كل يوم بيخلق هيك صوت، هيك طاقة، هيك كاريزما. بيخلق مرة. ومش بس بيخلق... بيخلي الكلمة تعيش، واللحن يخلّد، والمشاعر يصير إلها عنوان. يزن مش فنان... يزن ظاهرة إنسانية، بتمرّ على القلب متل النسمة، بس بتترك وراها إعصار حبّ.
تعليقات
إرسال تعليق