القائمة الرئيسية

الصفحات



بقلم: محمد علي إبراهيم


يا مَن غادرتَ الوطنَ بحثًا عن لقمةٍ كريمة، وقُوتٍ شريف، ألَمْ تسأل نفسك يومًا: أأنا أسيرُ نحو الغاية، أم إلى الغُربةِ التي لا تكتفي؟

أمشي على دربٍ مفروشٍ بالحلم، لكني أتعثرُ بأشواكِ الشوق، وأتنهّد كلما هبّت نسمةٌ تُشبهُ أنفاسَ أمي، أو رأيتُ وجهًا يُشبهُ صغاري.


تركتُ وراءي زوجةً تصبر، وأمًّا تسهر، وأبناءً ينادونني في أحلامهم: "بابا متى تعود؟"

تركتُ ضحكتي معلّقةً في فناء البيت، وصوتي غائبًا عن أحاديثهم الصغيرة، عن أولِ كلمةٍ نطقها صغيري، عن أولِ خطوةٍ خطاها الكبير.

اقرا ايضاقصيدة لا شكرا

أصدقائي؟ آه يا صحبَ الروح، ما زلتُ أسمعُ ضحكاتنا تترددُ في زوايا الذاكرة، وما زالَ طيفُ وجوهكم يعزف على ناي الاشتياق.


هل نلتقي؟


تُجيبني نفسي بصوتٍ مرتعش: "ربما..."

لكنّ القلبَ يعرفُ أن اللقاءَ ليس دائمًا وعدًا، فالموتُ أقربُ مما نظن، والخُطى قد تنقطع قبل أن تكتملَ العودة.


قال تعالى:

﴿فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ﴾ [لقمان: 33]

فهذه الدنيا زائلة، والحقُّ باقٍ، والموتُ لا يستأذن قلبًا ولا يطرقُ بابًا.


وقال الحبيب صلى الله عليه وسلم:

«اغتنم خمسًا قبل خمس: حياتك قبل موتك، وفراغك قبل شغلك، وشبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك»

فرُبّ غائبٍ في الدنيا، لا يرجعُ إلا في الأكفان، ورُبّ لقاءٍ حلمنا به، لكنه مؤجّلٌ إلى يومٍ لا بيعٌ فيه ولا خُلّة.


يا أهلي، يا من سكنتم في صدري لا في بيتي، اعلموا أن الغربةَ ليست غيابًا فقط، بل احتمالُ ألا نعود، فاجعلوا ذكري طيّبة، وادعوا لي في الغيب، واغفروا تقصيري.


هل نلتقي؟

ربما في الدنيا، وربما في الآخرة… فإن لم نلتقِ في الأرض، فنسأل الله أن يجمعنا في جنته، حيث لا فراق، ولا وداع، ولا غربة.

تعليقات