القائمة الرئيسية

الصفحات

من سلسلة ليالي العودة

الجنازة التي لم يحضرها أحد

كان الليل هادئا في ذلك الحي القديم حيث اعتاد ياسين أن يسير وحده بعد صلاة التراويح الهواء بارد قليلا والشارع شبه فارغ إلا من بعض المارة الذين يسرعون إلى بيوتهم استعدادا للسحور لكنه في تلك الليلة رأى شيئا لم يره من قبل

نعش يتحرك وحده في منتصف الطريق لا أشخاص يحيطون به لا أصوات بكاء لا جنازة تسبقه فقط نعش يسير ببطء وكأنه يعرف طريقه تماما قلبه بدأ يخفق بسرعة من يحمل هذا النعش من يقوده نظر حوله لكن لم يكن هناك أحد سوى ظلال المصابيح المنبعثة من النوافذ

اقترب أكثر خطوته كانت ثقيلة كأن الأرض تجذبه للخلف لكنه أراد أن يرى أكثر أراد أن يعرف لمن هذه الجنازة وعندما اقترب أكثر لمح اللوحة الصغيرة المثبتة على النعش تجمد مكانه عينيه اتسعتا وقلبه توقف للحظة كان اسمه مكتوبا عليها ياسين محمود الباقي في ذمة الله
شعر بقشعريرة تسري في جسده كان هذا مستحيلا كيف يكون هذا اسمه كيف يكون هو الميت وهو يقف هنا يراقب جنازته هل هذا حلم هل فقد عقله بدأ يتراجع إلى الوراء لكنه لم يستطع الصراخ لم يستطع حتى الهروب

نظر حوله مرة أخرى هل يرى أحد ما يراه هل هناك شهود على هذه الجنازة الغريبة لكنه أدرك أنه وحده تماما وكأن العالم اختفى من حوله لم يعد يسمع حتى صوت الريح كل شيء كان صامتا عدا خطوات النعش التي تبتعد ببطء إلى المقبرة القريبة

دون أن يدرك كيف وجد نفسه يسير خلفه رغم الرعب الذي يملأ قلبه كأن هناك قوة تجبره على المتابعة وحين وصل إلى المقبرة شاهد الحفرة المفتوحة كانت مظلمة باردة وكأنها تبتلع النعش ببطء شعر بأن أنفاسه تضيق شعر بثقل في صدره كأنه يسقط معها في ذلك الفراغ

وفجأة استيقظ كان في سريره العرق يغطي جسده وقلبه ينبض بعنف نظر حوله كل شيء كان في مكانه لم يكن هناك نعش لم تكن هناك جنازة لكنه شعر أن شيئا ما قد تغير داخله شيء لا يستطيع وصفه

في اليوم التالي ذهب إلى المسجد لكنه لم يستطع التركيز في صلاته كان شارد الذهن كانت صورة اسمه على النعش لا تفارقه بعد الصلاة خرج إلى نفس الطريق الذي رأى فيه الجنازة ليلة أمس نظر حوله كان كل شيء طبيعيا الناس يسيرون السيارات تمر لكنه شعر أن العالم لم يعد كما كان

حين عاد إلى المنزل قرر أن يكتب وصيته لأول مرة في حياته قرر أن يصلي كما لم يصل من قبل قرر أن يطلب الصفح من كل من أساء إليهم شعر أن الليلة الماضية لم تكن مجرد حلم بل رسالة لم يستطع فهمها بالكامل لكنه أيقن أن الموت كان أقرب إليه مما تخيل

الكاتب : إدريس أبورزق

تعليقات