القائمة الرئيسية

الصفحات

وَقْعُ الصَّوْتِ الخَفِيِّ

بقلم: فُؤَاد زَادِيكِي

يُؤَثِّرُ الصَّوْتُ الخَفِيُّ تَأْثِيرًا بَالِغًا فِي النَّفْسِ الإِنسَانِيَّةِ، فَهُوَ يَنْفُذُ إِلَى أَعْمَاقِ الوِجْدَانِ كَسَهْمٍ دَقِيقٍ يَخْتَرِقُ الحِسَّ بِرِقَّةٍ وَ لُطْفٍ. إِنَّ لَهُ وَقْعًا خَاصًّا، إِذْ يُضْفِي عَلَى الكَلِمَاتِ طَابِعًا سِحْرِيًّا يَجْعَلُهَا أَكْثَرَ قُدْرَةً عَلَى التَّأْثِيرِ وَ الإِقْنَاعِ. وَ فِي لَحَظَاتِ الغَضَبِ، قَدْ يَكُونُ الصَّوْتُ الخَفِيُّ أَكْثَرَ وَقْعًا مِنْ الصِّيَاحِ، إِذْ يَحْمِلُ فِي طَيَّاتِهِ قُوَّةَ الهُدُوءِ، الَّذِي يُزِيلُ التَّوَتُّرَ وَ يُهَدِّئُ الأَعْصَابَ.
يَعْمِدُ الإِنْسَانُ إِلَى اسْتِعْمَالِ هَذَا الأُسْلُوبِ فِي الحَدِيثِ لأَسْبَابٍ مُتَعَدِّدَةٍ، مِنْهَا الرَّغْبَةُ فِي لَفْتِ الاِنْتِبَاهِ بِهُدُوءٍ دُونَ إِثَارَةِ ضَجَّةٍ، وَ مِنْهَا أَيْضًا السَّعْيُ لِإِظْهَارِ التَّوَاضُعِ وَ الرَّقَّةِ فِي الكَلَامِ، أَوِ التَّعْبِيرُ عَنْ مَشَاعِرَ دَفِينَةٍ لاَ تُرِيدُ النَّفْسُ إِفْصَاحًا مُبَاشِرًا عَنْهَا. كَمَا أَنَّ البَعْضَ يَسْتَخْدِمُهُ كَأَدَاةٍ لِلإِقْنَاعِ، إِذْ يَجِدُ فِيهِ سَبِيلًا لِجَذْبِ الانْتِبَاهِ وَ إِضْفَاءِ جَوٍّ مِنَ السَّكِينَةِ عَلَى المُحَادَثَةِ.

لِلصَّوْتِ الخَفِيِّ مَحَاسِنُ كَثِيرَةٌ، فَهُوَ يُضْفِي عَلَى الحِوَارِ نُعُومَةً وَ هُدُوءًا، وَ يُسَاعِدُ فِي تَقْرِيبِ الوُجُوهِ وَ تَجَنُّبِ المُشَادَّاتِ اللَّفْظِيَّةِ. كَمَا أَنَّهُ يُوَفِّرُ بِيئَةً مُلَائِمَةً لِلتَّفْكِيرِ العَمِيقِ وَ التَّمَعُّنِ فِي الكَلَامِ.

وَ لَكِنْ، مِثْلَمَا لَهُ مَحَاسِنُ، فَإِنَّ لَهُ مَسَاوِئَ أَيْضًا، إِذْ قَدْ يُفْهَمُ عَلَى أَنَّهُ عَدَمُ ثِقَةٍ أَوْ ضَعْفٌ فِي الشَّخْصِيَّةِ، خُصُوصًا إِذَا لَمْ يَكُنْ مُتَوَازِنًا. كَمَا أَنَّ فِي بَعْضِ المَوَاقِفِ يَكُونُ الصَّوْتُ العَالِي أَفْضَلَ لِفَرْضِ السُّلْطَةِ أَوْ إِصْدَارِ أَوَامِرَ بِشَكْلٍ قَاطِعٍ.

فِي نِهَايَةِ المَطَافِ، يَبْقَى الصَّوْتُ الخَفِيُّ أَدَاةً قَوِيَّةً فِي التَّوَاصُلِ، تَعْكِسُ رُقِيَّ المُتَحَدِّثِ وَ نُبْلَ أَسْلُوبِهِ، شَرْطَ أَنْ يُسْتَخْدَمَ بِحِكْمَةٍ وَ فِي المَوَاضِعِ المُنَاسِبَةِ.

المانيا في ٥ آذار ٢٠٢٥

تعليقات