القائمة الرئيسية

الصفحات

مقالة نبذة عن الراحل الشاعر شريف رزق


                                                                                                 
يعد الشاعر والناقد الراحل شريف رزق، الذي توفي في 14 يونيو 2016، عن عمر ناهز 52 عامًا، أحد الوجوه الشعرية العربية ذات الحضورِ الفاعلِ في المشهدِ الشعرى خلال العقود القليلة الأخيرة، إبداعًا وتنظيرًا، وقد أنجز مجموعة من الأعمالِ الشعرية منها "عزلة الأنقاض"، و"لا تُطفِئ العتمة"، و"مجرة النهايات"، و"الجثة الأولى"، و"حيوات مفقودة"، و"أنت أيها السهو، و"أنت يا مهب العائلة الأخيرة"، "هواء العائلة".
كما قدم لقصيدةِ النثر العربية مجموعةً من الأعمالِ النقدية المهمة، تعد المرجع الأساسي في بابها، ومنها "شعر النثر العربي في القرنِ العشرين"، و"قصيدة النثرِ في مشهد الشعر العربي"، و"الآفاق الشعرية العربية الجديدة في قصيدةِ النثر"، و"قصيدة النثر المصرية"، و"شعريات المشهد الجديد"، و"أشكال النثر الشعرية في الأدب العربي".
كان رزق أحد القلائل الذين جمعوا بين القدرة على النقد وتلمّس سلبيات النص برهافة، والمقدرة على الإبداع الشعرى، وبالذات الشعر الذى يزاوج النثر فى كتابته، وقد امتدحه أغلب أبناء جيله فى شهاداتهم عنه، فقال عنه الشاعر فتحى عبد السميع: "شريف رزق هو الهامش الذى صار قلبًا. كان الهامش هو ملاذه فانتمى إليه ولم يفارقه، غير أن إبداعه شعرًا ونقدًا انتقل به إلى قلب المتن ليفرض صوته على كل من يسمعه باعتباره أحد أهم شعراء جيله وتبقى تجربته النقدية لافتة ومهمة"، وقال عنه الشاعر يسرى حسان: "يعتبر شريف رزق أحد شعراء جيل الثمانينيات المهمين، الذين سجلوا تجربة فارقة رغم إقامته بعيدًا عن القاهرة، التي لم تجذبه وتستحوذ عليه، فكان شخصًا خلوقًا لا يرتاح للشللية ولا يطلب شيئًا من أحد، معتمدًا فقط على إبداعه". 
هذا بخلاف الكثير من شهادات أبناء جيله التي أثنت عليه واحتفت به.
وكان قصر ثقافة المنوفية قد نظّم مؤتمرًا أدبيًا بكلية الهندسة الإلكترونية بمنوف، أمس الاثنين، تحت عنوان "الإبداع بناء وحياة.. دورة الشاعر والناقد الراحل شريف رزق"، تحت رعاية جامعة المنوفية والهيئة العامة لقصور الثقافة، بحضور عدد من الكتاب والشعراء والمفكرين والأدباء، تقديرًا لدور الراحل الشعري والنقدي.
عبد الدائم السلامي
مساء أمس، رحل عنّا الشاعر والناقد المصري شريف رزق (1965-2017) بعد تعرُّضِه لنزيف في الدّماغ لم تنفع معه علاجاتُ مستشفى منوف العام بمحافظة المنوفية. تعلّق شريف رزق بكتابة الشعر منذ ثمانينات القرن الماضي، وأصدر في الغرض سبعة دواوين شعرية أوّلها بعنوان «عُزلةُ الأنقاض» سنة 1994، وآخرها موسومٌ بـ»هواء العائلة»، كما نشر ثمانية بحوث نقدية جادّة انصبَّ الجهد فيها على الشعر والشعرية نذكر منها «شِعرُ النَّثر العربيِّ في القرنِ العشرين» سنة 2010، و»آفاقُ الشِّعريةِ العربيَّةِ الجديدَةِ في قصيدَةِ النَّثرِ» سنة 2011، و»شعريَّة الحياةِ اليوميَّة والخطاب الشِّفاهيِّ، في قصيدة النَّثر العربيَّة الجديدة» سنة 2017. هذا فضلاً عن مساهماته في تأسيسِ مُلتقى قصيدة النَّثر في مصر، وفي تحرير مجلَّة «الشِّعر»، كما ساهم في تأسيس مجلَّة «الحوزة الشِّعريَّة» الصادرة بغداد. وقد كَّرمه المؤتمر العام لأدباء مصر عام 2016، لدوره في إثراء الحركة النَّقدية المصريَّة. وعلى الصعيد الوظيفي اشتغل الراحل مدرِّسا للغة العربية وخبيرا بوازرة التربية والتعليم المصرية.
جيفارا قصيدة النثر
عن رحيل الشاعر شريف رزق كتب صديقه الباحث حاتم صادق منشورا فيسبوكيا جاء فيه قولُه: وكأنَّ لقائي شريف رزق يوم السبت الماضي كان لقاء الوداع، يومها كنّا جالسين بمقهى «النادري» في منوف بعد صلاة العشاء والتروايح، وقد بدا لي أنه متعَبٌ جدّا، فهمست في أذن صديقنا محمد الجيزاوي الذي كان معنا وأخبرته بأن التعبَ بادٍ على ملامح شريف، وبأني قلق عليه. فردّ الجيزاوي بالقول إن شريف بخير، وربّما سبب ما يبدو عليه من تعب هو كثرة مسؤولياته ومنها خاصة رعايته لوالده المُسِنّ المقعَد. وللأسف كان إحساسي في محله، إذْ بعد ساعات من افتراقنا أصيب شريف بنزيف حاد في الدماغ وظل في غيبوبة تامة حتى فارق الحياة».
وقد اعتبر الجامعي أحمد الصغير أنّ الراحل شريف رزق ناقد تجريبيّ، وقال للقدس العربي: « خسرت الحياة الثقافية الناقد شريف رزق. لأنه قدم الكثير من الأعمال النقدية المهمة حول قصيدة النثر العربية، وبخاصة كتابه المهم عن شعرية النثر العربي. وكان متابعا الروافد الأصيلة لذلك النوع الأدبي قصيدة النثر . وقد كان مدققا وصبورا ومجتهدا في تقديم آراءه النقدية وتطبيقاته التي جاءت مواكبة لأبنية القصيدة الحداثية. وله إسهاماته الشعرية المهمة في الشعر من خلال نصوصه التي جاءت ملتحمة بالحياة بل وصورة بريئة لما نحياه ونلمسه، محاولا في ذلك الوصول بالنص إلى روحه التي تبحث عنها في ذواتنا نحن. توطّدت علاقتي بشريف رزق منذ بداية التسعينيات 1991 في منتديات القاهرة الثقافية والمجلس الأعلى للثقافة المصري. تعلمنا منه جميعا الصبر في قراءة النص الحداثي وكيفية معايشته ومحبته. كان شريف رزق مبدعا في نقده ومخترعا كبيرا يقتحم طرقا وعرة لم يطرقها من قبل الباحثون داخل الجامعة المصرية».
أما الروائي والمسرحي أحمد سراج فقد كتب ل»القدس العربي» قائلا: «شريف رزق مات؟ ماذا يعني هذا؟ يعني أن جيفارا قصيدة النثر مات.. يعني أن أمنع حصون النزاهة مات.. يعني أن فيلق النخبة مات.. شريف الهادئ المهذب النقي عاش حياة عظيمة بكتبه وقصائده، لم يكترث بمن يخسر من البشر نتيجة مواقفه كبيرا كان أو صغيرا، صديقا كان أو مجهولا. من يقرأ كتب شريف رزق يجد أنه أمام باحث دؤوب موهوب، ومن يقرأ شعره يجد طفلا تركته أمه في الظلام فراح يصلي ليجدها في هواء العائلة. لطالما قيل «الموت نقاد الجياد» وها هو القول يصدق.. ويختار الموت درة يتيمة. يا شريف، ليس لعين لم يفض ماؤها عذر، وتأثم النائحات إلا فيك». وفي الساق ذاته قال الشاعر رفعت سلاّم: «الغصة كبيرة ومفاجئة. اتصلت به بالأمس تليفونيا، ليطمئننني أحد أفراد الأسرة عليه، ولم يردّ أحد على التليفون. ستعذرني إن عجزت عن الكتابة عنه الآن» .
ورأى الشاعر والباحث المغربي عبداللطيف الوراري في موت شريف رزق يومًا لجزن الشعر المصري، والعربي بعامّة، وقال: «كان رحيله مفاجئًا لي ولجميع أصدقائه؛ إذ كان في ذروة عطائه وصفائه الجماليين، وكان يتمتع بعافية أدبية ونقدية بوّأته مكانًا مرموقًا في صرح الثقافة المعاصرة اليوم. التقيتُ به في القاهرة على هامش مشاركتي في ملتقى قصيدة النثر، ورغم أنّ اللقاء كان كثيفًا مثل عمره الذي عاجله الموت، إلا أنّه ترك في نفسي صدى طيّبًا واستحسانًا رائعًا، عدا ما لمسته عن كثب من تقدير زملائه الشعراء والنقاد واحترامهم لشخصه ومكانته. وإلى جانب صوته الشعري ضمن شعراء جيل التسعينيات في مصر والعالم العربي، الذي جاء لتوطيد حساسية جديدة استعاضت عن الإيديولوجي والسياسي الطنّان باليومي والهامشي والمبتذل من انهمامات الذات في تشظّيها واختلافيّتها، فقد ترك لنا شريف رزق إرثًا نقديًّا هامًّا، ولا سيما فيما يتعلق بقصيدة النثر المصرية التي اعتكف على دراسة متونها الأخيرة، وإبراز ما في من جدّة ومغايرة، وما تشتمل عيله من سمات وعلائق جديدة، بأسلوبه النقدي الذي تحرّى فيه الصدق وعدم المداهنة. وكان يعتبر أن هذه القصيدة قد أنقذت الشعرية العربية من طريق مسدودة دخلتها منذ أواخر الثمانينيات. كما كانت له مواقف جريئة من المشهد الثقافي المصري بعد ثورة 25 يناير، ولم يكن يتورّع عن نعت القيّمين عليها بـ»عصابات». هذا الإرث هو دَيْنٌ علينا، لاستكمال مشروعه الذي آمن به صاحبه وأفنى فيه وقته حتى النزيف. رحمه الله.
 
نقاد وشعراء حول رحيل شريف رزق: قديس قصيدة النثر ونموذج المثقف الحر الذي ظلمه بُعده عن القاهرة
14-6-2017 | 15:25
شريف رزق
ShareFacebookTwitterWhatsAppTelegramLinkedIn
سماح عبد السلام
شكل غياب الشاعر والناقد شريف رزق " 1965- 2017"، صباح اليوم الأربعاء، فاجعة كبيرة، وجاء رحيله بعد يومين من الإعلان عن إصابته بنزيف في المخ.
تميز رزق بالبحث والكتابة وفتح آفاق مهمة حول قصيدة النثر والتجارب الشعرية الجديدة طوال ربع قرن، من خلال دواوينه وبعض الكتب والدراسات النقدية التي نُشرت ببعض الصحف والمجلات.

"بوابة الأهرام" التقت عددا من النقاد والشعراء الذين تحدثوا عن تجربته الشعرية والنقدية.

في البداية، يقول الشاعر محمد إبراهيم أبو سنة، إن وفاته خسارة كبيرة للحركة الشعرية والنقدية، وأتمنى من وزارة الثقافة أن تهتم بتراثه الشعري والنقدي، حيث كان الراحل على تواصل حميم بالحركتين الشعرية والنقدية، وأعتقد أن تجربته سوف تظل طويلاً في ذاكرة ووجدان جيله من الشعراء.

ويقول الشاعر والناقد د.أمجد ريان: شريف رزق ظل حتى آخر أيامه نشيطاً طموحاً يحلم بمزيد من الإنجازات، فقد أرسل لي بالفعل قبل أيام دراسة مطولة عن الكتابة الشعرية، ووعدته بأن أخبره برأيي ولكنه فاجأنا برحيله، مضيفاً: هو صاحب مشروع كبير، مشروع لا ينتهي، إذ كان يحلم بالمزيد من تحقيق رؤى جديدة حول الكتابة الشعرية.

في السياق ذاته، يرى الشاعر محمد عيد إبراهيم، أن زرق قديس قصيدة النثر وأحد المتميزين بها، وهب نفسه لدراسة هذا التيار، وحاول أن يؤسس له عبر مجموعة من الكتب والدراسات النقدية التي كان يكتبها هنا وهناك، لكن المؤسف أنه لم يجمع كل هذه الكتب أو ربما جمعها وأرسلها لأماكن ولم تنُشر بعد.

ويتابع: هذا ما يثير الأسى عليه أكثر، أنه بعد وفاته يتم الاحتفاء به، والمشكلة أن المؤسسة الثقافية لا تهتم سوى بالمتملقين، وكل شخص جاد هو بعيد عن الحسابات وهو ما حدث مع الراحل.
وأوضح الشاعر إبراهيم داود أن رزق أحد شعراء الثمانينيات الذين ظلمهم بعدهم عن القاهرة، حيث يقيم بمحافظة المنوفية، فبالإضافة إلى شعريته الناصعه وإنحيازاته الجمالية المتقدمة، كان له دور كبير كناقد ومتابع للحركة الشعرية الجديدة فى مصر لا يقل من دوره كشاعر.
ويشير إلى قيامه برصد التجارب الشعرية الجادة من بداية التسعينيات، حيث كانت له إسهامات بالعديد من الدوريات العربية، كان رجلا إيجابيا وقضيته الحقيقية في الحياة هى قصيدة الشعر التي أخلص لها.

ومن جهته قال الشاعر فتحي عبد السميع: برحيل شريف رزق نفقد واحداً من أبرز وأهم أبناء جيله في الثقافة المصرية، وتأتي تلك الأهمية من عدة وجوه، منها ما يتعلق بتجربته الشعرية التي قدم خلالها عدة مجموعات شعرية مهمة، تظهر فيها جديته وروحه التجديدية، وثورته على التقليد واجترار القديم، ومنها ما يتعلق بتجربته النقدية.

ويلفت عبد السميع إلى تصدى رزق لإشكاليات الشعر العربي الجديد باجتهاد كبير وتقديمه مساهمات فريدة، من حيث قدرتها على النبش في الجذور وتحليل أحدث الظواهر في الوقت نفسه، على النحو الذي سد فراغا نقديا كبيرا، وأفضل تلك الوجوه في تقديري، هي حرصه على تقديم نموذج للمثقف العربي الحر والمستقل والنزيه.

وأردف: ظهر ذلك في مواقفه الثقافية العامة، وفيمن سلط عليهم ضوءه النقدي، وهو أمر بالغ الصعوبة يعبر عن حس بطولي، في ظل مناخ ثقافي مضاد في عمومه لذلك النموذج الحر والمستقل عن كل عصبة أو شلة.
من جهته، قال الباحث الدكتور عادل ضرغام: لا أدعي أني على معرفة وثيقة بشريف رزق، وفي الوقت ذاته فالمواقف التي جمعت بيننا لا تنفي نوعًا خاصًا من المعرفة بيننا، ولكنها معرفة خاصة ليست قائمة على الحكي والسرد والاستماع، وإنما قائمة على التأمل من بعيد، وقائمة على المراقبة من بعيد ورسم الصور المتجاورة. فقد كنت في منتصف التسعينيات الميلادية صغيرا في محراب القراءة، والتحصيل، أنهيت بالكاد خدمتي العسكرية، وبدأت عملي معيدا وأدركت أنه ينقصني الكثير، فآليت ألا أترك ندوة في أي مكان لا أحضرها.

وفي إحدى الندوات في معرض الكتاب وجدت فتى نحيلا، يقدم في كتاباته عن قصيدة النثر شيئا جديدا مقارنة بأناس راقبتهم عن كثب وهم يصعدون منصة الندوات دون معرفة حقيقية، ولديهم قدرة عجيبة ومهارة فائقة على الدجل وفي الحديث عن أي شيء إلا موضوع الرواية أو الديوان الشعري الذي يتعاملون معه.
فالصورة الأولى التي رسمت لشريف رزق هي الجدية المفرطة المشفوعة بإيمان كبير بما يقول، ولديه قدرة للدفاع عن أفكاره، وهذا النموذج يعجبني جدا، ويؤثر في طريقة تفكيري، لأني أستطيع أن أقدم أفكارا، ولكني لا أستطيع الدفاع عنها بسبب خجلي الزائد عن الحد. وظلت هذه الجدية المفرطة المشوبة بشيء من الهم الذي يطل من العينين هي العالقة بذهني عن شريف رزق. واغتربت بعدها مدة طويلة، لأعود ونلتقي في مؤتمر أدباء مصر العام الماضي بالمنيا، حيث كان الناقد الوحيد المكرم ربما للمرة الأولى من الدولة، وكنت مشاركا ببحث عن القصة القصيرة في المنيا، وأتيح لي أن أقترب منه وأجلس معه على المقهى، وأدرك نبل هذا الرجل.

وعرفت بالتدريج أنه يعد بحق عراب قصيدة النثر نقدا وتأليفا حولها، وأن خريطة ذلك النوع الأدبي واضحة في ذهنه تمام الوضوح، وأن أي مؤرخ لا يستطيع أن يتجاهل منجزه في هذا الجانب. ولكن متعة الاقتراب من شريف رزق في أيام المؤتمر جعلتني أعاين جانبا مهما من جوانبه لم أكن أدركه قبل ذلك، هذا الجانب يتمثل في تبرمه على الوضع الثقافي، هذا التبرم الذي ولد لديه هشاشة إنسانية مفرطة في إطار سياق لا يعي ولا يقدر قيمة المؤثرين الحقيقيين الفاعلين في المشهد الثقافي، ويعطي الاهتمام لأناس لديهم قدرة خارقة على المطاوعة والانحناء والحركة بشكل لافت من جانب إلى جانب آخر، ومن اتجاه إلى آخر.

كان المشهد الأخير يتمثل في دعوته للمشاركة في جلسة من جلسات رؤى للإبداع والنقد في مارس 2017 في الاحتفاء بتجربة الشاعر محمد فريد أبو سعدة، وجاء شريف رزق في موعده منضبطا بجديته المعهودة، وقدم ورقة علمية لافتة محددا أهم المراحل والتحولات الفكرية والفنية للشاعر، لم يتخل لحظة واحة عن جديته المفرطة، وإن كنت ألمح في صوته المرتج بداية خوف وانكسار لم ألمحهما قبل ذلك، ولم أستطع معرفة السبب في ذلك، ولكني أدركت أن الفن حين يحيط بشخص، ويقارب واقعه الجامد بملامح ومتطلبات هذا الفن، يولد تلك الهشاشة الإنسانية، التي تظهر ملامحها في نغمة الصوت، وفي محاولة الانفتاح على العالم ظاهريا، وفي محاولة التصالح مع الجميع وإن كانوا أعداء، وكل هذه الجزئيات التي قد نراها ذات منحى إيجابي، يتجاوب معها ويتولد في إطارها هشاشة داخلية تفوق قدرة الإنسان على احتمال هذا العالم ببؤسه ومرضه وضغطه الذي لا يلين.. شريف رزق هو ضميرنا الذي يعنفنا، هذا الضمير الذي يدعونا جميعا للانسحاب من قبح العالم من خلال الاحتماء بهشاشته الإنسانية المفرطة.
آخر حوار مع الشاعر والناقد الراحل شريف رزق
شريف رزق يؤكد أننا نعيش زمن قصيدة النثر ولا نقد ولا نقاد في مصر الآن

محمد الحمامصي
الشَّاعر والناقد شريف رزق الذي فجع الوسط الثقافي المصري والعربي بنبأ رحيله في مستشفى المنوفية هذا الاسبوع أثر نزيف حاد في الدماغ يعتبررزق أحد الوجوه الشِّعريَّة العربيَّة ذاتَ الحضورِ الفاعلِ في المشهدِ الشِّعريّ الرَّاهنِ؛ إبداعًا وتنظيرًا، أنجزَ مجموعةً من الأعمالِ الشِّعريَّة منها: "عُزلةُ الأنقاض"، "لا تُطفِئ العتمة"، "مجرَّةُ النِّهايات"، "الجثَّة الأولى"، "حيواتٌ مفقودة"، "أنتَ أيُّها السَّهو، أنتَ يا مَهبَّ العائلةِ الأخِيرَةِ"، "هواء العائلة".
كما قدَّم لقصيدةِ النَّثر العربيَّة مجموعةً من الأعمالِ النَّقديَّة المُهمَّة؛ تُعدُّ المرجعَ الأساسيَّ في بابها، ومنها: "شِعرُ النَّثر العربيِّ في القرنِ العشرين"، "قصيدَةُ النَّثرِ في مشهدِ الشِّعرِ العربيِّ"، آفاقُ الشِّعريةِ العربيَّةِ الجديدَةِ في قصيدَةِ النَّثرِ"، "قصيدَةُ النَّثرِ المصريَّةِ: شعريَّاتُ المشهدِ الجديدِ"، الأشكالُ النَّثر شعريَّةُ في الأدبِ العربيِّ".
ويعمل حاليًا على كتاب جديد "شِعريَّاتُ ما بعد (شِعر): قصيدةُ النَّثر العربيَّة في السَّبعينيَّات والثَّمانينيَّات"، كما قرب من الانتهاء من كتابه "الدِّيوانُ العربي" لأحمد راسِم؛ الَّذي جمع فيه شِعر راسم العربيَّ وقدَّمتُ له.
حول التَّجربة الشِّعريَّة والنَّقديَّة لشريف رزق ورؤيته المشهدَ الأدبيَّ الرَّاهن، وانطلاقا من ديوانه الصادر هذا الأسبوع "هواء العائلة" كان هذا الحوار.
بداية أكد شريف رزق أن ديوان "هواء العائلة" ينفتحَ الأداءُ الشِّعريُّ فيها - بشكلٍ كثيفٍ – على بلاغة التَّاريخِ الشَّخصيِّ والسِّيَرِيِّ، وبخاصَّة في مرحلةِ الطُّفولةِ، ومن منظورِهَا. تحضُرُ مواقفُ وشخصيَّاتٌ من حيواتٍ انتهتْ، وعلى الرَّغم من هذا فالنَّصُّ ليسَ سيرةً ذاتيَّةً شعريَّة، هو فقط ينفتحُ على عوالمَ ومُشاهداتٍ من السَّيرةِ الذَّاتيَّةِ والتَّاريخِ الشَّخصِيِّ. الشِّعرُ هنا يُقاومُ الزَّوالَ والفَنَاءَ، وهذا الدِّيوانُ من الأعمالِ الَّتي قوبلت بحفاوةٍ كبيرَةٍ .
ويوضح رزق سِرُّ مشكلة قصيدة النَّثر في مشهد الأدب العربي وتُكريسه كتاباته النَّقديَّة لدراسة شعريَّتها، قائلا: لأنَّ قصيدةَ النَّثر شكلٌ شِعريٌّ جديدٌ، يتخطَّى نظريَّةَ الشِّعرِ عندَ العَرَبِ؛ الَّتي هيَ أساسُ التَّفكير الأدبيِّ والبلاغيِّ والنَّقديِّ بشكلٍ عامٍّ، لم يتمّ قبولها بسلامٍ؛ كما حدَثَ مع الأشكالِ الأدبيَّة الجديدةِ على الأدبيَّةِ العربيَّة؛ كالقصَّة القصيرَةِ والرِّواية والمسرحيَّة "الشِّعريَّة والنَّثريَّة"، وكانت مُعظمُ الدِّراساتِ النَّقديَّة حولَ هذا النَّوع الشِّعريِّ مُستمَدَّةً من كتاب سوزان برنار "قصيدة النَّثر من بودلير إلى أيَّامنا" وهو كتابٌ تاريخي مهم، يرتبط بمراحلَ شعريَّة مهمَّة، ولكنْ تجاوزتْها التَّحوُّلاتُ الشِّعريَّة التَّاليةِ، فكان لا بدَّ أن أبدأ من النُّصوصِ ذاتِها، وأستجلي آليَّاتِها الشِّعريَّة في إنتاج شعريَّتها الخاصَّة، ووضعتُ خُطَّة لدراسةِ مُجمَلِ شِعرِ النَّثر العَرَبيِّ، في أطوارِهِ المُتعدِّدةِ، منذُ مرحلة التَّأسيسِ؛ فنشرتُ كتابي: الأشكال النَّثر شعريَّة في الأدب العربيِّ، ثم: شِعر النَّثر العَرَبيّ في القرنِ العِشرين، ثم: قصيدة النَّثر في مشهدِ الشِّعر العَرَبيِّ، ثم: آفاق الشِّعريَّة العربيَّة الجديدة في قصيدة النَّثر، ثم: قصيدة النَّثر المِصرية: شعريَّات المشهدِ الشِّعريِّ الجديد".        
ورفض رزق كون قصيدَةَ النَّثر جنسا أدبيا مستقلا وأن يكون عمل على ترسخ ذلك في كتاباته النَّقديَّةُ، وقال إن هذا رأي جماعة المحافظين، وصلوا إليه بعد مرحلة النفي، وهذا الرَّأي أيضًا يهدف إلى النَّفي والإقصاءِ وإخْراج قصيدة النَّثرِ من دائرة الشِّعر والاحتفاظ بالمفهومِ القديمِ، دونَ إحْداثِ أيِّ إضْرَارِ بالمفهومِ المُتوارثِ ولا بالنَّوعِ الوحيدِ المكرَّس له تاريخيًّا قبل عصر قصيدة النَّثر 
وأكد أننا نعيش زمنِ قصيدة النَّثر "بالفعل نحنُ في عصرِ القصيدِ النَّثريِّ، وهو النَّوعُ الذي يقودُ الفِعلَ الأدبيَّ - لا الشِّعريَّ فقط – حاليًا، وتُهيمِنُ جماليَّاته على شِعريَّاتِ الأنواعِ المُجَاورِة.
وعن قوله "إنَّ قصيدةَ النَّثر أنقذَتْ الشِّعريَّة العربيَّة من طريقٍ مسدودٍ دخلتْه في أواخِرِ الثَّمانينيَّات"، وكيفَ حَدَثَ هذا؟
أوضح رزق "في أواخرِ الثَّمانينيَّات، وَصَل الخِطابُ الشِّعريُّ الحَدَاثيُّ في قصيدةِ النَّثرِ، إلى أقصى تحقُّقاتِه، عَبْرَ التَّشديدِ على الرِّسالةِ الشِّعريَّةِ، ومركزيَّةِ شِعريَّةِ الشِّعرِ، ودارَ الخِطابُ الشِّعريُّ في حلقاتٍ شِبه مفرَّغة، وبدأتْ بوادرُ كلاسيكيَّةِ الحداثةِ، وحدثت تحوُّلاتٌ سياسيَّةٌ وأيدلوجيَّةٌ ومجتمعيَّة، في هذه الفترةِ، غيَّرتْ شكلَ العالمِ وأنماطِ الحياةِ، وتغيَّرتْ آليَّاتُ الشِّعريَّة كذلكَ، لتدخُلَ في عَصْرٍ شِعريٍّ جديدٍ، بآليَّاتٍ أُخْرَى شدَّدتْ عليها، ومثَّلتْ صعودَ شِعريَّاتِ ما بعد الحَدَاثةِ في خِطابِ القصيدِ النَّثريِّ العربيِّ، وتتمثَّلُ هذه الآليَّاتُ في الانفتاحِ على تجربةِ الذَّاتِ، في سعيها اليوميِّ، وعلاقاتِها بأشيائها المَعِيشَةِ القريبة، والانفتاح على شتَّى آليَّات الأنواعِ الأدبيَّة. ولا يزالُ شعراء يُحافظونَ على شعريَّة الحداثةِ ومنهم: سليم بركات، وقاسم حدَّاد، ورفعت سلاَّم.
وأضاف أن قصيدة النَّثر تستمدُّ شرعيَّتَها من شِعريَّتها الخاصَّة، من تعبيرها الخاصِّ عن تجاربها الخاصَّة، غير المُعلَّبة، من تعبيرِها الجديد عن حالاتٍ جديدة لا عهدَ للأداءِ الشِّعريِّ السَّابق بها، واسمحْ لي أن أُعيد إليك السُّؤال: من أين تستمدُّ القصيدة التَّقليديَّة (الآنَ) شرعيَّتها؟، وأسألُ: مَن الذي يمنحُ الشَّرعيَّة ويمنعُها؟
ورأى رزق أن "ما فعله أدونيس، وأُنسي الحاج، هو تقديم تعريف لمفهوم نظرية قصيدة النَّثر، وتقديم تجارب وفق هذا المفهوم، والدِّفاع عنه، وترسيخه، وهو دورٌ رياديٌّ بامتياز، قدَّم مفهومَ النَّوع، وتعدَّدت التَّجارب وتنوَّعت في السِّتينيَّات والسَّبعينيَّات والثَّمانينيَّات، وحدثتْ تحوُّلاتٌ مغايرةٌ في التِّسعينيَّات، ولكن حدث هذا على محور الإبداع، ولم تُوجَدْ حركةٌ نقديَّةٌ مُوازية، كما حدث مع شِعر التَّفعيلة مثلاً، ولم يُوجَدْ نقَّاد راهنوا على جماليَّات هذا النَّوع، فقط وُجدتْ منذُ التِّسعينيَّات عدَّةُ كتبٍ، معظمُها يدور في فلكِ التَّبرير والتَّسويغ، وتقديم دراسات تطبيقيَّة محدودة القيمة، إنَّ نظرية قصيدة النَّثر العربيَّةِ موجودةٌ في الإبداع، ولم تُوجدْ في حقل الدِّراسات النَّقديَّة".
وأكد أن "شاعر قصيدة النَّثر أكثر شخصيَّة، وأكثر حريَّة من غيره من الشُّعراء؛ فقصيدةُ النَّثر مُتمرِّدةٌ بطبعِها، مُتحوِّلةٌ دائمًا، لا تتوقَّفُ كشوفاتُها، قصيدةٌ خارجةٌ على عُنفِ السُّلطةِ المَاضويَّةِ وأغلالِها، وحرِّيُتها غيرُ المحدودةِ جعلتنا لا نرى فيها شاعرًا أصوليًّا رجعيًّا".
ورأى رزق أن المشهد السِّياسيَّ العربيَّ الرَّاهن، في تحوُّلاته الأخيرة في منعطف انحطاط حضاريٍّ، وأضاف "أرى غياب مفهوم الدَّولة في: العراق، وسوريَّا، وليبيا، واليمن، وأرى صعود تيَّارات ظلاميَّة عنيفة؛ لملء الفراغ الذي أحدثه انهيار نظم في هذه البلاد، وأرى الطُّموح الإيرانيَّ في استعادة الامبراطوريَّة الفارسيَّة من جديد، وأرى الطُّموح التُّركيَّ في استعادة النُّفوذ العثمانليِّ، على حساب الكيانات المنهارة، وأرى تواري مفهوم الدَّولة لصالح مفاهيم عنصريَّة وطائفيَّة، وأرى الكيان الصُّهيونيَّ مُرسِّخًا مشروعه، ولا أرى في هذه المرحلة رفاعة الطهطاوي، ولا محمد عبده، ولا طه حسين، أمَّا الشُّعوب فقد زادت معاناتُها" .
وأبدى رزق تفاؤله بالمشهد الشِّعريَّ المصري "أراه بخيرٍ؛ حيثُ تحرَّرتْ الكتابةُ الشِّعريَّة الجديدة، من شتَّى المفاهيمِ السَّابقة، وتجاوزتَها، أرى هذا بوضوحٍ في مُتابعاتِي اليوميَّة لما يُنشَرُ في الفيس، من نصوصٍ شعريَّةٍ، لشعراء من أجيالٍ مختلفةٍ، تتجاوزُ بعقودٍ، ما تنشرُهُ وتُؤسِّسهُ المؤسَّسةُ الثَّقافيَّة في مصرَ من شِعرٍ، وما تُكرِّس له عَبْرَ لجنةِ الشِّعرِ بالمجلسِ الأعلى للثَّقافةِ وعَبْرَ المسئولينَ عن النَّشر، وأرى الحركةَ الشِّعريَّة العربيَّة الجديدةَ، في مُجملِها، بخير".        
وعلى العكس من مشهد الشعر يجري مشهد النَّقدِ الأدبي حيث رأى رزق أنه مشهد بلا نقد ولا نُقَّاد؛ "سواء ما أراهُ في المُتابعاتِ الصَّحافيَّة الَّتي تتمُّ لاعتباراتٍ معيشيَّة أو شخصيَّة، أو ما يُنشَرُ في كتبٍ، والأخيرُ بالتَّحديد مجرَّد دراساتٍ جامعيَّةٍ مدرسيَّةٍ لا علاقة لها بالنَّقد، ومعظم أصحابها دُخلاء على الإبداعِ والنَّقدِ معًا، ولهم طموحاتٌ غرضُها الوَجَاهة الاجتماعيَّة، لكنَّ طه حسين، مثلا، كان حالةً فرديَّةً استثنائيَّةً" .
ورأى أن الجماعات الشِّعريَّة في تاريخنا العربيّ تبدو كأنَّها ثوراتٌ؛ شكَّلتْ علامات تحوُّلٍ، ولكنَّها في واقع الأمر لم تكن ثورات على التَّقاليد الشِّعريَّة والقيم الإبداعيَّة المُستقرَّة، بقدر ما كانت تُقلِّدُ طرائقَ غربيَّة ثارت على القيم المُستقرَّة في بيئتها، ولكنَّها كانت تلعب أدوارًا تاريخيَّة، بالتَّمهيد إلى تغييرٍ حقيقيٍّ من بعدها .
وأضاف "التَّاريخ الأدبيُّ يصنعه قلائلُ استثنائيُّون، هم ثوَّارٌ بالمعنى العميق، والتَّاريخُ الأدبيُّ لا يُورَّثُ؛ ولهذا فجابر عصفور لم يصلُحْ أن يكون طه حسين، وجمال الغيطاني لن يَرِثَ نجيب محفوظ" .
وكشف رزق عن رؤيته لبعض الأسماء البارزة في حركتي الثقافة والابداع قال:
أدونيس: أرى ثراءً في التَّجريب، لم يُخفِ فَقْرًا في التَّجربةِ .
العقَّاد: ابن مرحلة صناعة الأصنام الأدبيَّة؛ لأغراضٍ حزبيَّة، لتؤديَ أدوارَها على طريقةِ مُصَارعةِ الدِّيكَة، والعقَّادُ ليسَ شاعرًا، كما أنَّه ليسَ فيلسوفًا، ولا روائيًّا بالطَّبع، وإنجازُه في الشِّعر لا أراه في دواوينِهِ، بلْ في رفضِهِ القيم الشِّعريَّة القائمة في عصْرِه، استنادًا إلى نظريَّةِ الشِّعر الإنجليزيِّ.
جبران خليل جبران: هو الصِّيغةُ العربيَّةُ المعاصِرةُ من نيتشه وطاغور وأناشيد التَّوراة، وبعضُ كتاباتِهِ تُوشِكُ أن تكونَ توراةً جديدةً، وهو صاحبُ ثورةٍ روحيَّةٍ كبيرةٍ، ويُمكنُ اعتباره بدايةً للمشهدِ المُهيمِنِ على الشِّعريَّةِ العربيَّةِ حاليًا عبْرَ قصيدةِ النَّثرِ.
نجيب محفوظ: هو صاحبُ المشروعُ الرِّوائيِّ الأبرز، الذي يقفُ في شموخٍ في مصافِ الرِّوائيين العالميِّينَ، بآثاره الروائية الشَّامخةِ، سواء بجائزة نوبل أو بغيرِها.
صنع الله إبراهيم: اعتبرُ روايتَه القصيرَةَ الأولى: تلك الرَّائحة، أبرز أعماله وأصدقها، وبقيَّة أعماله أصابها السَّردُ الصِّحافيُّ في مقتل، وصنع الله صناعةُ اليسارِ المصريِّ أكثر من كونه صاحبَ مشروعٍ روائيٍّ. أرى الظَّاهرة السِّياسيَّة فيه أكبر من الظَّاهرة الإبداعيَّة، كظاهرة ما عُرِفَ بشعراءِ المُقاوم
عمان - الدستور
غيّب الموت، نهاية الأسبوع الماضي، الشاعر والناقد المصري شريف رزق، في مدينة منوف- محافظة المنوفية، إثر نزيف في المخ. وعلى الرغم من أن الراحل رزق (وهو من مواليد عام 1965)، ليس من الشعراء الذي حققوا حضوراً عربياً واضحاً، رغم ذلك، فإن قصيدته سرعان ما تبني مع قارئها علاقة مباشرة وحميمة، فثمة شيء أصيل وقريب في شعره من الإنسان في شقائه اليومي والعادي، تكتشفه ما إن تقرأ مجموعة من قصائده، شيء يبدو كما لو كان شعوراً ريفياً حميماً بالعالم ومحتوياته، لكنه ضائع في قلب مدينة.
أصدر رزق سبع مجموعات شعرية، كانت أولاها «عُزلةُ الأنقاض» (1994)، ثم «لا تُطفِئ العتمة» (1996)، و»مجرَّةُ النِّهايات» (1999)، و»الجثة الأولى» (2001)، و»حيوات مفقودة» (2010)، و»أنتَ أيُّها السَّهو، أنتَ يا مَهبَّ العائلةِ الأخِيرَةِ» (2014)، و»هواء العائلة» (2016).
كان رزق منهمكاً بالشعر والكتابة عنه، وعلى وجه الخصوص التأريخ لقصيدة النثر العربية منذ ظهورها والتقلّبات التي مرّت بها حتى اليوم، وعن ذلك وضع رزق ثمانية كتب؛ من بينها «شعر النَّثر العربي في القرن العشرين» (2010)، و»الأشكالُ النَّثرشعريَّةُ في الأدبِ العربيِّ» (2014)، و»شعريَّة الحياةِ اليوميَّة والخطاب الشِّفاهيِّ، في قصيدة النَّثر العربيَّة الجديدة» (2016).
ساهم رزق في تحرير مجلَّة «الشِّعر» المصرية منذ 1993 وحتى 1998، ثم أسس مع شعراء آخرين «ملتقى قصيدة النَّثر»، كما أطلق مع الشاعر العراقي شاكر لعيبي مجلة «الحوزة الشعرية» التي كانت تصدر في بغداد.
من قصائده: «أثْنَاءَ تناولي لوجبتي، أرْفَعُ السِّكينَ أمَامِي وَأسْهُو، كشَاهِدٍ على الاعتذارَاتِ. على تلكَ الحافَّةِ المضِيئَةِ، تُولَدُ الذِّكرياتُ وتموتُ. على تلكَ الحافَّةِ، تنشطرُ قِطَعُ الطَّعامِ إلى أجْزَاءَ مُتناهِيَةٍ في الصِّغَرِ، أسِيرُ وَرَاءَ ذاكرتِي كقفَّاءِ أثرٍ، كراعٍ رَحِيْمٍ».
وكان الاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب، برئاسة الشاعر حبيب الصايغ، أصدر بيانًا ينعي فيه الشاعر والناقد المثقف شريف زرق، «أحد الأصوات الشعرية المهمة في جيل الثمانينيات في مصر، انحاز مبكرًا إلى «قصيدة النثر» وأصدر مجموعة من الدواوين المهمة، منها: مجرة النهايات، عزلة الأنقاض، حيوات مفقودة، لا تطفئ العتمة، أنت يا أيها السهوم أنت يا مهب العائلة الأخيرة، والجثة الأولى».
ويصدر قريبا عن الهيئة العامة لقصور الثقافة، كتاب «شعر النثر العربي في القرن العشرين.. أشكاله وتحولاته الشعرية»، للراحل رزق. وجاء في الكتاب: إن القرن العشرين هو قرن الأنواع الأدبية العربية بامتياز، فيه تأسست القصة القصيرة، والرواية، والمسرحية (النثرية والشعرية)، والشعر المرسل، وشعر التفعيلة، وفيه أيضًا تأسس شعر النثر، وقد أثار هذا الشعر النثري الأخير - ولا يزال - جدالًا واسعًا، لاصطدامه بقناعات ظلت محل إجماع غير أنه - في النهاية - حسم معركته، وتأسس شكلًا شعريًّا مفتوحًا وحرًّا، برزت شعريته الجديدة، وشرعت تكتسب مساحات واسعة، في المشهد الشعري، بحيث إننا نستطيع أن نلحظ تسرب شعرية قصيدة النثر، حاليًّا، في نصوص عديدة، من السرد القصصي.
بقلم محمد عبد الحميد عوض 
 

تعليقات