القائمة الرئيسية

الصفحات

من سلسلة " أصوات في العتمة " للكاتب : إدريس ابورزق  

الحلقة الثانية : صدى الندم

كان الليل ثقيلًا، يزحف ببطء فوق جدران الغرفة التي ضاقت بها، رغم اتساعها. جلست في ركنها المعتاد، حيث النافذة المغلقة بإحكام، وكأنها تخشى أن يتسلل الهواء ليوقظ كل ما تحاول أن تخمده. في الداخل، لم يكن هناك سوى صوت واحد يعلو فوق السكون: صوت الندم.

كان صوتًا متكررًا، يشبه الصدى، لا يهدأ ولا يرحل، ينبعث من عمق ذاكرتها، يسألها في كل لحظة: لماذا فعلتِ ذلك؟ لماذا اخترتِ هذا الطريق؟ ماذا لو كنتِ قد تراجعتِ قبل فوات الأوان؟

مرت سنة كاملة، لكنها لم تستطع أن تهرب من اللحظة التي غيرت كل شيء. يومها، كانت واقفة عند مفترق الطرق، وكان قلبها يصرخ بشيء، بينما عقلها يسير في اتجاه آخر. لكنها اختارت أن تستمع لصوت المنطق، أو ربما صوت الخوف، ذلك الصوت البارد الذي قال لها: لا تلتفتي للوراء، لا تثقي كثيرًا، لا تخاطري!
فأغلقت الباب في وجهه، وهي تظن أنها تحمي نفسها، وهي لا تعلم أنها تحطم شيئًا لن يعود.

والآن؟ الآن لم يبقَ سوى الفراغ، سوى ذلك الصدى الذي يلاحقها أينما ذهبت، يتردد داخلها كضربة على جدار هش:
"لو أنكِ فقط... لو أنكِ فقط لم تخافي!"

أصبحت الوحدة رفيقتها، ليس لأنها أرادت ذلك، بل لأن من كان يجب أن يكون بجانبها رحل، ربما لأنه انتظرها طويلاً حتى تعود، لكنها تأخرت. تأخرت كثيرًا.

نهضت من كرسيها، مشت نحو المرآة، نظرت إلى نفسها، إلى عينيها الممتلئتين بالأسئلة التي لم تجد لها إجابة. مدت يدها كأنها تود لمس وجهها، لكنها توقفت، لأن صوتًا آخر، خافتًا لكنه واضح، همس في أذنها:

"لكن هل كان يمكن حقًا أن يكون الأمر مختلفًا؟ أم أن كل شيء كان مكتوبًا بهذه الطريقة منذ البداية؟"

لم تعرف. ولن تعرف أبدًا. كل ما تعرفه الآن أن الندم ليس مجرد إحساس عابر، بل هو ظلٌ يرافقك إلى الأبد، يتحدث إليك كل ليلة، حين يصبح الليل أكثر ظلمة، والصمت أكثر ضجيجًا.

تعليقات