القائمة الرئيسية

الصفحات

من سلسلة: صوت الحياة عبر مراحل العمر للكاتب إدريس ابورزق  

الحلقة السادسة : وسادة منتصف العمر

كانت وسادة منتصف العمر ثقيلة كأنها تحمل عمرًا كاملًا من الأسرار. خيوطها الباهتة شاهدة على سهر الليالي، رائحتها مزيج من عطر باهت ورائحة الزمن الذي لا يعود. لم تكن وسادة للنوم فقط؛ بل أصبحت صندوقًا للأفكار الحائرة، والمشاعر المتأرجحة بين ندم الماضي وقلق المستقبل.

في تلك الليلة، كانت "منى"، ذات الأربعين عامًا، مستلقية على السرير بعد يوم طويل. أغمضت عينيها وهي تحاول أن تلتقط أنفاسها. وضعت رأسها على الوسادة، وكان قلبها يثقل بحمل لا تستطيع البوح به.

تمتمت كأنما تخاطب الوسادة:
"كم مر من العمر؟ أربعون؟ لا أصدق… كأنه الأمس كنت أركض وراء أحلامي، ظننت أني أملك كل الوقت."

مرت لحظة صمت طويلة، ثم انحدرت دمعة دافئة على خدها، أخفتها بسرعة، كأنها تخاف من أن يسمع أحد همس أفكارها. همست:
"أخاف أن يكون كل شيء قد انتهى. الأحلام؟ العافية؟ حتى الحب… هل بقي منه شيء؟"

كانت الوسادة تشعر بعمق هذه الكلمات. فقد رافقتها في سنوات العشرين، حيث كانت الأحلام تشغل الليالي. وفي الثلاثين، حيث انشغلت منى ببناء البيت والمستقبل. الآن، في منتصف العمر، كانت الوسادة ترى فيها سيدة تحاول فهم ما تبقى لها في هذا العالم.

لكن منى لم تكن فقط متعبة أو حزينة. كان هناك صراع دائم بين الحزن والأمل في داخلها. فجأة، فتحت عينيها، ونظرت إلى السقف بلهجة قريبة من التحدي:
"لكن… أليس الوقت قد حان لأعيش لأجل نفسي؟ الأطفال كبروا، وأيام الركض خلف المهام انتهت… ربما حان دوري الآن!"

ضحكت خفيفًا، وكأنها تمسح عن نفسها أثر الشك. نعم، كان العمر قد تقدم، لكن في داخلها كان قلب لا يزال ينبض بالحياة، وروح تحمل بقايا شغف قديم يحتاج فقط شرارة ليضيء من جديد.

في تلك اللحظة، أحست الوسادة بأن العبء قد خف قليلاً. لم تكن كلمات منى إقرارًا بالهزيمة، بل بداية وعي جديد: أن الحياة لا تنتهي عند منتصفها. الغد قد لا يشبه الأمس، لكن هذا لا يعني أنه لا يحمل أشياء تستحق الانتظار.

وسادة منتصف العمر لم تكن مجرد مساحة تريح الرأس؛ كانت رفيقًا لصراعات لا يسمعها أحد، شاهدة على لحظات مواجهة الذات، حيث يتردد صدى الأمس، لكن يرافقه بصيص أملٍ يهمس: "لا يزال لديك وقت للفرح."

تعليقات