الحلقة الخامسة : وسادة الأمومة
كانت وسادة الأمومة عادية المظهر، لا شيء يميزها سوى أن خيوطها تهالكت بفعل الزمن، ورائحتها تفوح بمزيج من حليب دافئ وشعور بالتعب. لكنها لم تكن كأي وسادة؛ فقد صارت شاهدًا على حياة مليئة بالهموم الصغيرة والكبيرة، وكأنها تملك ذاكرة تفيض بالحكايات التي لا يعرفها أحد.
"سلمى"، أم لطفلين صغيرين، جلست على حافة السرير تلك الليلة. نظرت إلى وسادتها وكأنها تتأمل ما تبقى لها من ساعات الليل. بعد أن خلد الطفلان إلى النوم أخيرًا، ألقت برأسها على الوسادة وأطلقت تنهيدة طويلة كانت تحمل في أعماقها سنوات من الحب والإرهاق والتضحيات.
همست للوسادة بصوت متعب:
"هل تشعرين بذلك؟ وكأن جسدي أصبح أثقل مما يمكن احتماله. أحيانًا أشعر أنني أحتاج فقط… إلى لحظة صمت."
اقرا ايضا على محمد الشرفاء الحمادي يكتب
كانت الوسادة مستمعة كعادتها، تحمل هذه الكلمات كما تحملت قبلها دموعًا، وأفكارًا متناثرة بين الحاجة إلى الراحة والقلق الذي لا ينام. فجأة، دققت سلمى بصرها في السقف، كأنها تكمل حديثًا مع نفسها:
"لا أذكر آخر مرة نمت فيها دون أن أستيقظ فجأة لأن أحدهما يبكي أو يحلم. لا بأس… إنهم يحتاجونني الآن، أليس كذلك؟"
في تلك اللحظة، ارتجف صوتها قليلًا، وكأنها على وشك أن تسمح للحزن بالظهور:
"لكن متى سأحتاج أنا؟ هل سأجد من يهتم لي كما أفعل لهم؟ أريد فقط أن أتذكر كيف كنت قبل كل هذا…"
كانت الوسادة تعرف جيدًا أن هذه اللحظات من الضعف ليست سوى جزء صغير من قوة سلمى العظيمة. كم من الليالي جلست سلمى قرب أطفالها المرضى، بينما تحملت الآلام في جسدها بصمت؟ وكم من اللحظات نسيت نفسها لتحيي فيهم الفرح والحب؟
ومع ذلك، لم تكن حياتها فقط سلسلة من التضحيات. أغمضت سلمى عينيها وابتسمت بخفة، عندما تذكرت صوت ضحكات أطفالها قبل ساعات قليلة وهم يركضون في الغرفة. تمتمت بهدوء:
"إنهم السبب، الوسادة تفهم ذلك… السبب الذي يجعل كل شيء يستحق العناء."
كان التعب واضحًا في تنفسها الثقيل، لكن رغم ذلك، كان في كلماتها دفق أمل هادئ، يشبه الأمواج التي تهدأ تدريجيًا قبل الفجر. وسادة الأمومة لم تكن فقط لتريح رأسها، بل لتشاركها لحظاتها التي لا يفهمها أحد: مشاعر مختلطة بين الإعياء والسعادة، بين الخوف من المستقبل والحب الذي يكسر كل الحدود.
تعليقات
إرسال تعليق