بقلم الشاعر فؤاد زاديكى
في خِضَمِّ حَياةٍ مُثْقَلَةٍ بِالْمَتاعِبِ، وَ زاخِرَةٍ بِهِمُومٍ لا تَنْتَهِي، يَتَساءَلُ الإنْسانُ: لِماذا لا يَكونُ البَشَرُ قادِرِينَ على العَيْشِ مَعًا بِسَلامٍ وَ أمانٍ وَ مَحَبَّةٍ وَ تَسامُحٍ؟ أليْسَتِ الحَياةُ بِنَفْسِها كَفيلَةً بِجَلْبِ مَا يَنْغِّصُهَا وَ يَجْعَلُهَا أحْيانًا جَحِيمًا لا يُطاقُ؟
إنَّ السَّلامَ لَيْسَ مُجَرَّدَ كَلِمَةٍ تُقالُ في خُطَبِ السِّياسِيِّينَ، وَ لا شِعَارًا يُرَدِّدُهُ المَثَّالِيُّونَ، بَلْ هُوَ حَاجَةٌ إنْسَانِيَّةٌ ضَرُورِيَّةٌ تَحتَاح لممارَسَةٍ و لِتَطبِيقٍ عَمَلِيٍّ فَاعِلٍ. تَجِدُ النُّفوسَ فِي ظِلِّهِ راحَتَها، وَ تَشْعُرُ فِيهِ الأرْواحُ بِالأمْنِ وَ الطُّمَأْنِينَةِ و الاسْتِقرَارِ المُنشُودِ. وَ لَكِنْ، لِلأسَفِ الشَّدِيدِ، يَميلُ البَشَرُ أحيانًا إلى الكَراهِيَةِ وَ البَغْضاءِ، وَ تُسَيْطِرُ عَلَيْهِمُ الأطْماعُ وَ الشُّرُورُ، فَتَتَحَوَّلُ الحَياةُ بَيْنَهُم إلى صِراعٍ دَائِمٍ وَ حُروبٍ لا تُنْتِجُ إلّا دَمارًا.
لَقَدْ خَلَقَنا اللهُ شُعُوبًا بالمحَبًّةِ كمَا دَعَانَا لِنَمَلَ بِهَا لأنُّهُ مَحَبّةٌ، وَ ليْسَ لِنَتَناحَرَ في ما بَينَنا و نَتَقَاتَلَ. وَضَعَ فِي كُلِّ قَلْبٍ قُدْرَةً عَظيمَةً عَلَى الحُبِّ وَ العَطاءِ، وَ أَمَرَنَا بِالتَّسامُحِ وَ الإِحْسانِ. فَلماذا نُحَوِّلُ الحَياةَ إلى مَعْرَكَةٍ تُسْتَنْزَفُ فيها طاقَةُ القَلْبِ وَ الروحِ؟
إنَّ العَيْشَ بِسَلامٍ يَبْدَأُ فِي النُّفُوسِ قَبْلَ أنْ يَظْهَرَ فِي الوَاقِعِ. يَجِبُ عَلَيْنا أنْ نُزيلَ الكَراهِيَةَ مِنْ قُلُوبِنا، وَ نَطْرُدَ الحِقْدَ وَ الرَّغْبَةَ فِي الانتِقامِ. إنَّ المُجْتَمَعَ الَّذِي يُؤْمِنُ بِالتَّعَايُشِ وَ يَحْتَرِمُ اخْتِلافَ الآخَرينَ هُوَ مُجْتَمَعٌ قادِرٌ على تَحْقيقِ السَّلامِ.
التَّسامُحُ هُوَ المِفْتاحُ. وَ الحُبُّ هُوَ الجِسْرُ الَّذِي يَرْبِطُ بَيْنَ القُلُوبِ. إذا ما تَسامَحْنا، وَ قَبِلْنا الآخَرَ كَما هُوَ، وَ أَبْعَدْنا عَنَّا الأنَانِيَّةَ وَ الأطْماعَ، يُمْكِنُنا أنْ نَعيشَ فِي عالَمٍ أَجْمَلَ وَ أَكْثَرَ إنْسَانِيَّةً.
فَلْنَتَأمَّلْ مَعًا هذا السُّؤالَ: ماذا نَجْنِي مِنَ العِداءِ وَ الحِقْدِ؟ إنَّ الدَّمارَ هُوَ النَّتِيجَةُ الطَّبِيعِيَّةُ لِهذِهِ المَشاعِرِ السَّلْبِيَّةِ. بَيْنَما فِي السَّلامِ نَجِدُ الحَياةَ الحَقِيقِيَّةَ، وَ فِي المَحَبَّةِ يَكْمُنُ الجَمالُ.
لِذَلِكَ، دَعُونا نَتَّحِدْ جَمِيعًا، نَنْبِذُ العُدْوانَ، وَ نَسْعَى لِصُنْعِ عالَمٍ يَسودُهُ الحُبُّ وَ التَّسامُحُ. إنَّها دَعْوَةٌ مِنَ القَلْبِ لِكُلِّ إنْسانٍ يَحْمِلُ في داخِلِهِ نورَ الإنسانيَّةِ. فَالسَّلامُ هُوَ الحَلُّ، وَ الحَياةُ تَسْتَحِقُّ أنْ نَعيشَها بسلامٍ.
تعليقات
إرسال تعليق